ما يسمى بالإنفاق التنموي الموحّد إجراءٌ مخالف للقانون، وإلغاؤه ضرورة ملحّة لتفادي العجز في المالية العامة وللحفاظ على ما تبقّى من الاحتياطيات.
تناول قانون النظام المالي للدولة ولائحة الميزانية والحسابات والمخازن الإنفاق التنموي واعتبره أحد أهم أبواب الميزانية العامة تحت مسمّى الأعمال الجديدة.
حيث بموجب المادة (6) من القانون المذكور تُقسّم الميزانية العامة للدولة إلى جزأين رئيسيين:
الجزء الأول: المصروفات وينقسم إلى الآتي:
1- الباب الأول (المرتبات وما في حكمها)
2- الباب الثاني (النفقات التسييرية)
3- الباب الثالث (الأعمال الجديدة)
أي إنّ الإنفاق التنموي أو الأعمال الجديدة باب اعتيادي من أبواب الميزانية العامة للدولة.
أمّا الجزء الثاني من الميزانية العامة فهو يتعلق بالإيرادات العامة.
وبموجب المادة (7) من القانون، تُلغى الاعتمادات المدرجة بالميزانية والاعتمادات الإضافية التي لم تُصرف حتى آخر السنة المالية، أمّا الاعتمادات الخاصة بالأعمال الجديدة التي لا يكتمل تنفيذها خلال السنة المالية فترحّل بواقي الاعتمادات المقررة إلى ميزانية السنة التالية حتى يتم إنجاز الأعمال في حدود التكاليف المعتمدة.
ومن خلال مضمون هذه المادة يتضح بأنّ كافة الاعتمادات أو المخصّصات التي لم تُصرف حتى نهاية السنة المالية تُلغى، أي يتم تصفيرها وإعادة قيمتها إلى حساب الإيراد العام، في حين استثنى المشرّع الليبي الاعتمادات المتعلقة بالأعمال الجديدة (التنمية) التي شُرع أو بُدئ في تنفيذها ولم تكتمل أثناء السنة المالية، وذلك بترحيل بواقي اعتمادات هذه المشروعات إلى ميزانية السنة التالية حتى يتم إنجاز المشروع في حدود التكاليف المعتمدة.
مع ملاحظة أنّ كل ما ذُكر يجب أن يتم في إطار قانون الميزانية العامة وقانون التخطيط رقم (13) لسنة 2000 ولائحته التنفيذية، ولا يتم بطريقة عشوائية وارتجالية ومن خلال اتفاقيات ذات صبغة سياسية.
وبالعودة إلى ما يسمى بالإنفاق التنموي الموحّد نجد أنه تم بالمخالفة لقانون النظام المالي للدولة وقانون التخطيط، فلا وجود لإحصائية بعدد ونوع المشروعات المزمع تنفيذها، ولا توجد خطط ودراسات بشأن أولوياتها، ولا يُعرف موقعها الجغرافي، ولا توجد تقديرات مالية بشأن تكلفتها، بل لا توجد مخصصات مالية لها، كما لا يوجد حتى الوقت الكافي للتعاقد عليها أو للشروع في تنفيذها خلال ما تبقى من العام الحالي.
الخلاصة:
بناءً على ما تقدم نرى ضرورة إلغاء ما يسمى بالإنفاق التنموي الموحّد، لأنّ الاستمرار فيه سيعرّضه للهدر والعبث في ظل الظروف الراهنة وقرب نهاية السنة المالية 2025م، فتنفيذ مشاريع تنموية كبيرة بهذا الحجم يتطلب متسعًا من الوقت وكوادر بشرية متخصصة ولجانًا فنية للإشراف عليها ومتابعتها ومراقبتها أولاً بأول، إضافةً إلى تقارير متابعة فنية ومالية دورية بشأن نسب إنجازها.
كما أن إلغاءه سيقلّص العبء على المالية العامة؛ فإيرادات البلاد حتى أكتوبر الماضي لا تتجاوز 103 مليار دينار، وتكاد تكفي لتغطية مرتبات العاملين ونفقات الدعم والتسيير البالغة قرابة 95 مليار دينار دون احتساب مرتبات أكتوبر المنصرم المقدّرة بـ 6.400 مليار دينار، وبيان المصرف المركزي الأخير واضح في هذا الشأن.
ومن جانب آخر، فإن إلغاءه سيجنّب المساس بحصيلة عوائد الضريبة على مبيعات النقد التي يُتوقّع أن تناهز 21 مليار دينار خلال هذا العام، والتي يفترض أن تؤول إلى حساب الاحتياطي العام.
وإذا كان القائمون على ما يسمى بالإنفاق التنموي الموحّد جادّين ولديهم نوايا صادقة للإصلاح، فالأفضل لهم أن يحترموا القانون وأن يعملوا على معالجة كل المشاكل والخلافات والتحضير لميزانية السنة المالية 2026م، فلا يزال أمامهم متّسع من الوقت للدراسة والإعداد الجيد والمناقشة والاعتماد قبل نهاية العام.


