قالت وكالة نوفا الإيطالية، إن مبادرة طرابلس بإنشاء الهيئة العليا للرئاسات تُعد مناورة تكتيكية تهدف إلى إحراج الطرف الشرقي ومسار البعثة الأممية.
وأضافت نوفا، في تقرير تحليلي، أن طرابلس تحاول تقديم نفسها كمركز مؤسسي منظم ومتماسك عبر إنشاء هذه الهيئة الجديدة.
وذكرت الوكالة أن الجبهة الشرقية تعمل في المقابل على إعادة بناء الروابط القبلية في المناطق الحساسة المحيطة بالعاصمة، في محاولة لتشكيل حزام نفوذ حول طرابلس.
وأشارت نوفا إلى اجتماعات خليفة حفتر مع شخصيات من ترهونة وبني وليد والزنتان والزاوية، معتبرة أن هذا التحرك يمثّل ضغطًا سياسيًا ذا طابع قبلي يُكمل المواجهة المؤسسية وقد يحلّ محلها في بعض الأحيان.
كما تحدثت الوكالة عن زيارات أبناء حفتر إلى روسيا وتركيا، إضافة إلى زيارة مرتقبة لإيطاليا، وذلك ضمن إطار ما وصفته بـ”المنافسة المنظمة على السلطة”.
ونقلت نوفا عن مصدر قريب من الملف الليبي شكوكه بشأن صلابة الجبهة الشرقية، مع تساؤلات حول صحة خليفة حفتر النفسية والجسدية، وكذلك غياب وريث واحد مُتفق عليه.
وأكد التقرير أن بنغازي تطالب بحصة أكبر من عائدات النفط، وتكثف دبلوماسيتها الموازية، بينما تدفع الولايات المتحدة وتركيا باتجاه تحقيق استقرار فعّال.
وذكرت الوكالة أن إعلان مؤسسات طرابلس إنشاء الهيئة العليا لرئاسة ليبيا أثار ردّ فعل فوري من بنغازي، التي اعتبرت الخطوة غير دستورية وباطلة، معتبرة أنها تأتي كمناورة تهدف إلى إحراج الشرق وإرباك مسار البعثة الأممية، وسط تزايد الشكوك حول تماسك عائلة حفتر.
وترى نوفا أن الاتفاق حول برنامج التنمية المشترك بين الشرق والغرب زاد من حالة التوتر والشكوك، في مشهد يعيد ليبيا إلى مربعها المعتاد خلال السنوات الأخيرة: حكومتان، ومركزان للقرار، ولا مسار سياسي موحد، رغم الضغوط الدولية المتواصلة.
وتخلص نوفا إلى أن ليبيا تعيش حالة “استقرار دائري”، تتغيّر فيها الوجوه بينما يبقى الواقع السياسي على حاله، في ظل انقسام مستمر وتنافس محتدم بين مراكز القوة.
من جهتها، ترى كلوديا غازيني، كبيرة المحللين في مجموعة الأزمات الدولية، أن الصدام المؤسسي بين الشرق والغرب مسرحيّ في المقام الأول، مضيفة أن منطق التسوية الخفية يسود خلف هذه المناوشات، إذ يتوصل الطرفان لاتفاقات ويلتقون ويعقدون صفقات بعيدًا عن الأضواء.
كما تشير غازيني إلى الدور المتنامي للولايات المتحدة، التي تلتزم بتعزيز التعاون الأمني في منطقة سرت.
وتابعت غازيني أن الاتفاق المالي الأخير بين الشرق والغرب، يمقدر بـ 20 مليار دينار (حوالي 5 مليارات يورو)، وتفاوض عليه “خلف الأبواب المغلقة” صدام حفتر وإبراهيم الدبيبة ثم سُلِّم إلى البرلمان والمجلس الأعلى للدولة كوثيقة مُعدّة مسبقًا.
وتُشير غازيني، مُندِّدةً بغموض الاتفاق، إلى أن ” المركزي ومجلس النواب ومجلس الدولة ليسوا سوى مُمثلين ثانويين في مسرحية تُخرجها جهات أخرى”.
وأردفت : “خلف الكواليس، يسود الاتفاق على إبقاء كل شيء على حاله، مُرسِّخًا الوضع الراهن. وكل ذلك على حساب الليبيين”.
أما طارق المجريسي، الزميل السياسي البارز في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، فيرى أن الأزمة التي اندلعت حول الهيئة الجديدة لها جذور اقتصادية أكثر من كونها مؤسسية.
ويؤكد المجريسي أن بنغازي بدأت “استعراض قوتها” حول ترهونة والزنتان ومناطق أخرى للضغط على طرابلس، بينما ترى طرابلس نفسها مركز قوة بفضل علاقتها المميزة مع واشنطن.
ويخلص المجريسي إلى أن الهيئة الجديدة تأتي استجابة للدفع الأمريكي نحو تبسيط عملية صنع القرار، وتمثل محاولة من الدبيبة للحفاظ على تقارب المنفي والمجلس الرئاسي.
وفي المقابل، يرى المحلل المستقل والخبير في الشأن الليبي جلال حرشاوي ثلاث ديناميكيات رئيسية؛ أبرزها أن النهج المزدوج لتركيا يشكّل ضغطًا وجوديًا على المشهد السياسي في طرابلس.
ويبيّن حرشاوي أن الولايات المتحدة تدخلت في التسوية المالية عبر اتفاقية وُصفت بأنها ضعيفة وغير واضحة، في حين تواصل بعثة الأمم المتحدة الحديث عن حكومة موحدة جديدة.
وفي الوقت نفسه، يسعى الدبيبة إلى “تعزيز التوافق” مع المنفي وتكالة، مؤكّدًا — وفق حرشاوي — أنه لا يعتزم التخلي عن السلطة في المستقبل القريب.


