لعبت دولة قطر خلال العقدين الماضيين أدوارًا واسعة في الوساطة الإقليمية والدولية وهو ما أكسبها موقعًا متقدّمًا في مشهد “الدبلوماسية النشطة” في الشرق الأوسط. فقد رعت اتفاق الدوحة في لبنان عام 2008 وأسهمت في مفاوضات دارفور التي انتهت بوثيقة سلام عام 2011 ، واستضافت المكتب السياسي لحركة طالبان وقادت مفاوضات مع الولايات المتحدة أفضت لاتفاق 2020. كما شاركت في جهود التهدئة بين الكيان الصهيوني و قوى المقاومة في غزة ، وفي محاولات المصالحة الفلسطينية الداخلية ، إضافة إلى أدوار خلفية في تخفيف التوتر بين واشنطن وطهران. وتمددت الوساطة القطرية كذلك نحو القرن الأفريقي وملفات الأسرى والنزاعات اليمنية قبل 2015. هذه المسيرة المتراكمة جعلت الدوحة لاعبًا حاضرًا في كثير من المسارات التفاوضية سواء في القضايا العربية أو النزاعات العابرة للمنطقة.
في هذا السياق أعلنت دولة قطر مؤخرًا عن تمويل الحوار السياسي الليبي الذي تنفذه بعثة الأمم المتحدة في ليبيا (UNSMIL) بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، في خطوة أثارت اهتمام المراقبين السياسيين والإعلاميين في ليبيا والمنطقة.
التمويل القطري يهدف وفق التصريحات الرسمية إلى دعم “خارطة الطريق الأممية” وإعادة إطلاق الحوار السياسي بين الأطراف الليبية المختلفة بما في ذلك مؤسسات الدولة وممثلي المجتمع المدني.
الهدف المعلن للتمويل :
بحسب الجهات الأممية يخصص التمويل لتنظيم ورش عمل واجتماعات ومبادرات تشجيعية للمشاركة المدنية ، إضافة إلى تغطية التكاليف اللوجستية للسفر والإقامة للمشاركين من مناطق مختلفة في البلاد ، الهدف المعلن هو تعزيز المشاركة المدنية بناء الثقة بين الأطراف المختلفة وتمكين العملية السياسية من التقدم على أسس سلمية.
هذا التمويل يمكّن البعثة الأممية من استئناف الأنشطة التي قد تكون متوقفة بسبب نقص الموارد ويساعد في توفير بنية تحتية لوجستية ضرورية لإنجاح أي مسار سياسي.
ردود الفعل المختلفة :
ردود الفعل على هذه المبادرة كانت متباينة. من جهة ، رحبت الأمم المتحدة بالدعم واعتبرته عنصرًا مهمًا لضمان استمرارية الحوار السياسي. ومن جهة أخرى ، أعربت بعض الجهات الليبية وبالأخص مؤسسات في شرق البلاد على رأسها الحكومة التي هددت بوقف التعامل مع البعثة ، بحجة أن التمويل الخارجي يمكن أن يؤثر على حياد البعثة وتمثيل الاطراف ، ولكن مما يشكك في مصداقية هذا الموقف أن أغلب الجهات الرافضة والتي حملت الخطوة أكثر مما تحتمل أن نفس هذه الجهات قد صدر عنها مراراً رفض فكرة الحوار والمناكفة لبعثة الأمم المتحدة قبل هذا الحدث مما يدعو إلى التشميكغغي مصداقية الرفض ودوافعه
الأبعاد السياسية والدبلوماسية :
يُنظر إلى التمويل القطري من زاويتين :
1. كأداة دعم للبعثة الأممية : توفر الموارد المطلوبة لضمان استمرار الحوار وإشراك الأطراف المختلفة ، ما قد يسهم في فتح قنوات تفاوض مغلقة.
2. كخطوة استراتيجية إقليمية : بعض المراقبين يرون في التمويل جزءًا من سياسة “النفوذ الناعم” لدولة قطر ، إذ تتيح لها المشاركة في الملف الليبي وتعزيز وجودها الدبلوماسي الإقليمي.
ومن الممكن أن ينظر للتمويل القطري في سياق إيجابي فقطر متقدمة في في ممارسة دبلوماسية التوافقات والوساطات ونجحت كما أسلفنا في ملفات كثيرة وشائكة ، وهي ايضا من جملة دول عديدة مهتمة بالملف الليبي ، و اصبحت تحظى بعلاقات طيبة مع كلا طرفي الصراع شرقا وغربا .
التحديات المحتملة:
أبرز التحديات المرتبطة بالتمويل تتعلق بمصداقية الحياد الأممي ، وضمان شمولية المشاركة لكل الأطراف الليبية ، والقدرة على تنفيذ الأنشطة المخطط لها في ظل تحفّظ بعض الجهات الرسمية. إذا لم تُدار هذه المخاطر بشكل واضح قد تواجه البعثة صعوبات تشغيلية تشمل تعطيل اجتماعات مقاطعة بعض الأطراف أو رفض نتائج الحوار من قبل الجهات التي ترى في التمويل تهديدًا لاستقلاليته.
تمويل قطر للحوار السياسي الليبي المدعوم من الأمم المتحدة يمثل خطوة عملية لتعزيز العملية السياسية في ليبيا لكنه يفتح أيضًا نقاشات حول حياد البعثة ، السيادة الوطنية ، ودور التمويل الخارجي في الشؤون المحلية ، و يبقى نجاح هذا التمويل مرتبطًا بكيفية إدارة الأطراف المعنية للتحفظات السياسية وبدرجة الشفافية في تطبيق الموارد وإشراك كل الجهات الليبية المعنية.

