بشكل مفاجئ أعلن مصرف ليبيا المركزي توقيع اتفاق “البرنامج التنموي الموحّد” بين مجلسي النواب والدولة، والذي يهدف إلى وضع إطار واضح يوحّد قنوات الإنفاق والصرف على مشروعات التنمية.
وأكد المركزي أن الخطوة تأتي كإجراء استباقي وضروري لحماية الاقتصاد الكلي من أزمات أكبر سبق أن حذّر منها، مجددًا التزامه بالتعاون مع مختلف الأطراف لضمان نجاح الاتفاق وتحقيق أهدافه.
وجرت مراسم التوقيع في طرابلس بمشاركة عضو مجلس النواب عيسى العريبي وعضو المجلس الأعلى للدولة عبد الجليل الشاوش، وسط تباين واضح في ردود الفعل بين من اعتبر الاتفاق خطوة إيجابية نحو الاستقرار، ومن عبّر عن مخاوف حيال غموض تفاصيله وآلياته.
رعاية أمريكية
رئيس اللجنة المالية بالمجلس الأعلى للدولة عبد الجليل الشاوش أكد ، في تصريح للرائد، أن الاتفاق تم برعاية أمريكية ويُعد نافذًا إلى حين الوصول إلى ميزانية موحّدة.
وأوضح أن الهدف منه هو بناء الثقة بين الأطراف، ووضع خطة للتنمية، وحماية الاقتصاد، وزيادة التوافق بين المجلسين، مشيرًا إلى أن الاتفاق سيكون له أثر مباشر على استقرار سعر صرف الدينار والاقتصاد المحلي، إضافة إلى ضبط الإنفاق وتقليل الضغط على المصرف المركزي والاحتياطي.
تنازلات من جميع الأطراف
وفي سياق متصل كشف الشاوش، في تصريح لقناة ليبيا الأحرار، أن الاتفاق تضمّن تنازلات من كل الأطراف، خصوصًا من المنطقة الشرقية، ما يوفر ضمانات حقيقية بعدم العودة إلى الإنفاق الموازي.
وأوضح أن الاتفاق ينص على استمرار الإنفاق التنموي بما يتماشى مع موارد الدولة الحقيقية ووفق تنسيق مباشر مع مصرف ليبيا المركزي، مع تكثيف الرقابة على تنفيذ المشاريع، مشيرًا إلى أن المركزي قد يضطلع بدور رقابي أكبر إلى جانب ديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الإدارية.
اتفاق مبهم
على الجانب الآخر، عبّر عضو المجلس الأعلى للدولة صفوان المسوري عن قلق بالغ من الاتفاق، معتبرًا أنه جاء في ظل غموض كبير يلف تفاصيله.
وقال المسوري في تصريح لمنصة فواصل إن الاتفاق لم يكن عملًا مؤسسيًا، بل “اتفاقًا مبهمًا وُقّع دون اطلاع كافٍ على تفاصيله أو خطوطه الرئيسية”.
وأضاف أن بيان مجلس الدولة الذي بارك الاتفاق صدر بإيعاز من حكومة طرابلس، ما وضع المجلس في موقف حساس، إذ تبنى اتفاقًا لا يعرف معظم أعضائه عنه شيئًا، بينما ألقت الحكومة والمصرف المركزي عبء المسؤولية القانونية عنه على عاتق المجلس.
شرعنة حصة صندوق الإعمار
من جانبه رأى الكاتب السياسي محمد غميم أن الاتفاق خطوة إيجابية لكنه يواجه تحديات كبيرة أبرزها غياب الوضوح بشأن توزيع الميزانية، وعجز الدولة في ميزان المدفوعات نتيجة التوسع غير المنضبط في الإنفاق، وغياب سياسة مالية واضحة، إضافة إلى مخاوف مرتبطة بانخفاض أسعار النفط.
وأوضح غميم في مقال نشره موقع الرائد أن ممثلي المجلسين حضروا التوقيع دون علم غالبية زملائهم، الذين اكتشفوا الحدث عبر فيسبوك، مشيرًا إلى أن حضورهم جاء لإضفاء شرعية محلية على نفوذ أمريكي واضح داخل المؤسسة المالية.
وأضاف أن الاتفاق أعاد محافظ المصرف المركزي إلى مربع القوة، وشرعن رسميًا حصة صندوق الإعمار برئاسة بلقاسم حفتر من الميزانية، مما منح الصندوق حق المشاركة المباشرة في الإنفاق التنموي إلى جانب حكومة الدبيبة، التي فقدت ورقة “الإنفاق الموازي”، حسب تعبيره.
“محلّل لصفقات مالية مشبوهة”
عضو المجلس الأعلى للدولة خالد المشري قال إن هناك حالة استغراب كبيرة بين أعضاء المجلس من الاتفاق، واصفًا إياه بالمبهم والغائم داخل المركزي.
وأوضح عبر صفحته على فيسبوك أن الاتفاق مجهول التفاصيل والشروط والنتائج ولم يُعرض على المؤسسات الرسمية للنقاش أو الإقرار، مؤكدًا رفضه أن يتحول مجلس الدولة إلى “محلّل لصفقات مالية مشبوهة” تمس قوت الليبيين ومستقبل اقتصادهم.
ميزانية متوازنة
من جانبه اعتبر الخبير الاقتصادي عبد الحميد الفضيل أن نجاح الاتفاق مرهون بشرطين أساسيين: تنفيذه فعليًا على أرض الواقع، واعتماد ميزانية متوازنة لا يتجاوز فيها الإنفاق مقدار الإيرادات العامة لتجنب العجز.
وتابع الفضيل أن إقرار ميزانية موحدة بعجز مالي كبير يعني “الحرث في نفس المكان”، مؤكدا أن اختلال أي من هذين الشرطين يعني أن تحقق أهداف هذا التوحيد سيُضرب في صفر، وفق قوله.
إيقاف الإنفاق الموازي
ورأى رئيس حزب المستقبل عبد الغني المعاوي، في تصريح للرائد، أن الاتفاق من شأنه وقف الإنفاق الموازي وتعزيز الشفافية في إدارة موارد الدولة، داعيًا المجلسين للاستمرار في مسار التفاهمات، باعتبار أن استقرار ليبيا سياسيًا لا يتحقق إلا عبر خطوات مشابهة تضع مصلحة الوطن أولًا، وصولًا إلى توحيد المؤسسات وإجراء الانتخابات وقبول نتائجها.
ويبقى الاتفاق الموقّع خطوة جريئة نحو معالجة الانقسام المالي الذي أنهك مؤسسات الدولة لسنوات، غير أن نجاحه يتوقف على مدى التزام الأطراف بتنفيذه فعليًا، وقدرتهم على تجاوز الخلافات وتقديم المصلحة الوطنية على الاعتبارات السياسية والمناطقية.
برأيك… هل يمثّل هذا الاتفاق بداية حقيقية لإنهاء الانقسام المالي في ليبيا، أم أنه مجرد خطوة شكلية ستصطدم بالواقع السياسي؟

