يشهد المشهد الليبي توظيفاً متزايداً لمصطلح “النظام السابق” كأداة للضغط السياسي، مع أنّه توصيف غير دقيقلمرحلة حكم القذافي. فليبيا قبل 2011 لم تعرف دولةً مؤسسية يمكن العودة إليها أو الاستناد إليها، بل كانتخاضعة لحكم فردي يمكن وصفه بـ”العسكري العائلي”، انتهى دون أن يخلّف بنية مؤسساتية قابلة للاستعادة أوالقياس عليها.
ومع ذلك، نجد من يستخدم تسمية “النظام السابق” لتأطير خصومات سياسية أو لتبرير السعي إلى المشاركة فيالحكم، في حين أنه لو جاء وقت العدالة الانتقالية والمحاكمات فلن تجد بينهم من يواجه أو يتحمّل المسؤولية عنضياع فكرة الدولة في ليبيا لمدة 42 سنة وما شهدته من قمع وظلم وفساد، بل إنّ عدداً كبيراً ممن كانوا تُبّع لحكمالقذافي شاركوا عملياً في الحكومات المتعاقبة بعد 2011، سواء في حكومة ما بعد الصخيرات أو في حكومة ما بعدجنيف. وهذه المفارقة تؤكد أن مصطلح “النظام السابق” بات أداة ابتزاز سياسي لا أكثر.
إنّ المشكلة الحقيقية في ليبيا اليوم أعمق من هذه التصنيفات الفضفاضة؛ فهي مشكلة غياب الدولة بمفهومهاالمؤسسي، وافتقار السلطة إلى إطار دستوري ناظم يحول دون تغوّل الحاكم وتدوير الأشخاص على حساب بناءالمؤسسات.
إنّ إنهاء هذا العبث يتطلب الانتقال إلى بناء دستور يحدّد السلطات، ويضبط العلاقة بينها، ويؤسس لحكم راشديقوم على الشرعية الدستورية وسيادة القانون. فالدستور هو الأداة الكفيلة بحماية العملية السياسية من التوظيفالانتقائي للتاريخ، وهو الضمان لمنع عودة الحكم العسكري، وايقاف الابتزاز الذي يمارسه الذين كانوا تابعين لنظامالقذافي. فبالدستور تتحول إدارة الدولة من منطق المحاصصة وحكم الفرد إلى منطق المؤسسات.
إنّ تأسيس الدولة بموجب دستور سوف يُنهي الفراغ الذي سمح بتمدّد شبكات المصالح، ويضع البلاد على عتبة بناءسياسي مستقر يستند إلى القانون، لا إلى الشعارات والمزايدات والابتزاز.


