Menu
in

تحليل مالي لبيان المركزي – أكتوبر 2025 ملء الفجوات المتعلقة بالعائدات النفطية

أصدر مصرف ليبيا المركزي بيانه الشهري لشهر أكتوبر 2025 حول الإيرادات والإنفاق المتراكم منذ بداية السنة،وكعادته يكتفي المصرف بنشر الأرقام دون تقديم شرح اقتصادي أو مالي يوضح المغزى منها. ونتيجة لذلك، يُفتحالمجال واسعًا أمام المحللين لقراءة ما بين السطور وتقدير ما لم يُذكر صراحة.

ورغم وضوح بعض النتائج مثل تسجيل عجز تراكمي في العملة الصعبة بقيمة 26 مليار دولار، أو تحقيق فائض فيالميزانية بالدينار يبلغ 8.3 مليار دينار، إلا أن هناك تساؤلات أساسية لا يجيب عنها البيان، بالرغم من أن المصرفيمتلك الإجابة عن معظمها.

فعلى سبيل المثال، يؤكد المصرف أنه لم يسحب من الاحتياطي الأجنبي، وأنه قام بتغطية العجز عبر عوائداستثمارات الودائع ومحفظة السندات والذهب، مسجّلًا فائضًا في ميزان المدفوعات بقيمة 1.7 مليار دولار. ورغم أنذلك قد يكون صحيح محاسبيًالأن العجز يتعلق بالحساب الجاري بينما الفائض يتعلق بميزان المدفوعاتإلا أنالقارئ العادي سيصعب عليه فهم هذا التناقض الظاهري.

يُضاف إلى ذلك تساؤل مهم حول إعادة تقييم الاحتياطات الذهبية في هذا التوقيت، ومدى قدرة عوائد استثماراتالمصرف على سد العجز مستقبلًا، وهي أسئلة ذات طابع استراتيجي تتجاوز مجرد العرض المحاسبي.

في هذا التحليل سأتجنب مناقشة تلك الإشكالات لأنها خضعت لنقاش واسع، وسأركز بدلًا من ذلك على محور أساسييتعلق بـ العلاقة بين إيرادات النفط وكميات الإنتاج والاتاوات وتكلفة استيراد المحروقات. وبالأخص: ما الذي يمكناستنتاجه من البيانات المتوفرة، رغم غياب الإفصاح المباشر من المؤسسة الوطنية للنفط أو المصرف المركزي.

الأسئلة النفطية الأساسية التي لا يجيب عنها البيان

1. كم ننتج من النفط فعليًا؟

2. كم ندفع للشركاء الأجانب؟

3. كم يجب أن يدفع الشركاء من إتاوات؟ وما الذي دفعوه فعليًا؟

4. هل لا تزال مقايضة النفط بالمحروقات قائمة بعد أبريل 2025؟

5. ما أثر انخفاض أسعار النفط على الدخل خلال 2025؟

تصميم نموذج Model لتقدير المستهدف من البيانات المقارنة

طبعا لا يوجد عندي إمكانية الوصول إلى معلومات رسمية في الكثير من هذه النقاط، ولكن يمكن بطريقة التحليلالمالي تصميم نموذج لتقدير هذه المتغيرات ومن ثم مقارنتها بالبيانات المعروضة في البيانات المتسلسلة، عليهفأن هذا العمل يعكس تجميع وتفكيك البيانات من شهر يناير إلى شهر أكتوبر 2025.  هذا النموذج يأخذ في الاعتبارالأسعار الشهرية التي تم تحقيقها في سوق النفط العالمي خلال الفترة ينايرأكتوبر 2025.

أولًا: تقدير مستوى إنتاج النفط

بعد توقف المؤسسة الوطنية للنفط عن نشر تقارير الإنتاج الشهرية، أصبح الاعتماد على مصادر بديلة مثل تقاريرأوبك. تشير هذه التقارير إلى أن إنتاج ليبيا لعام 2025 يبلغ 1.3 مليون برميل يوميًاوليس 1.4 مليون كما هو شائع.

وتم اختبار النموذج على سيناريوهين (1.3 – 1.4 مليون برميل يوميًا)، وأظهرت النتائج أن 1.3 مليون برميل يوميًا هوالرقم الأقرب إلى الواقع.

ثانيًا: ما يُدفع للشركاء الأجانب

يُقدّر النموذج أن حصة الشركاء الأجانب خلال الأشهر العشرة الأولى تبلغ 4.7 مليار دولار، يذهب منها 2.9 مليار دولاركإتاوات لصالح الدولة، ويبقى 1.7 مليار دولار صافيًا للشركاء.

ثالثًا: الإتاواتالمستحق والمدفوع

وفقًا للنموذج، يجب أن تكون الإتاوات المدفوعة 2.9 مليار دولار. أما ما سجّله بيان المصرف فهو 2.8 مليار دولار.

هذا الفارق الطفيف يقع ضمن حدود الخطأ الإحصائي (7.7%) أو التسويات اللاحقة.

رابعًا: هل توقفت المقايضة بعد أبريل 2025؟

سبق أن أشار المصرف إلى توقف المقايضة في مايو 2025.

ولكن عند مقارنة ما يجب أن يكون صافي الدخل (وفقًا للنموذج) بما تم تحصيله فعليًا تظهر فجوة لافتة:

الصافي المفترض (مايوأكتوبر): 17.9 مليار دولار

الصافي الفعلي (وفق بيان المصرف): 16.4 مليار دولار

الفجوة: 1.5 مليار دولار

كما يقدّر النموذج أن فاتورة المحروقات عن الفترة تبلغ 2.3  مليار دولار، بينما دفع المركزي فعليًا 795  مليون دولارفقطوهي قيمة تكفي شهرين من الاستيراد.

يمكن هنا المقارنة بين تقديرات النموذج وقيمة ما صُرف فعليًا، حيث يقدّر النموذج أن تكلفة المحروقات المستوردةخلال الفترة من مايو إلى أكتوبر 2025 تبلغ نحو 2.3 مليار دولار. وتشير البيانات إلى أن ما يكون المصرف المركزي قدفعليًا لا يتجاوز 795 مليون دولار، وهو مبلغ يكفي لتغطية استيراد محروقات لمدة تقارب شهرين فقط، بينما تمتمويل الباقي من خارج المركزي.

ويُلاحظ هنا أن الفارق البالغ 1.5 مليار دولار جرى افتراضه، في إطار النموذج المغلق، على أنه خُصص لتسديد قيمةالمحروقات، وليس لتسويات أخرى غير معلَن عنها.

خامسًا: أثر انخفاض أسعار النفط في 2025

لو بقي متوسط الأسعار عند مستوى 2024 (77.5 دولار/برميل)، لبلغ الدخل النفطي 21.7  مليار دولار في الأشهرالعشرة الأولى.

لكن متوسط سعر 2025 لم يتجاوز 67.27  دولارًا، وبالتالي كانت الإيرادات:

الدخل الفعلي: 19.3 مليار دولار كما هو موثق في البيان

الخسارة الناتجة عن انخفاض الأسعار: 2.4 مليار دولار

الخلاصة النهائية

يجب التشديد هنا إلى أن صحة نتائج التقدير تعتمد على التوقع أن معدل الإنتاج النفطي هو 1.3 مليون برميل يومياوفقا لما نشرته منظمة أوبك في تقاريرها الشهرية وأن هناك نسبة انحراف معياري 7.7% نتيجة قلة البيانات، ولكنيمكن الاستخلاص بأن:

الإنتاج النفطي المتوقع وفقًا للبيانات يميل إلى أن يكون 1.3 مليون برميل يوميًا، وليس 1.4 مليونًا.

هناك فجوة مقدارها 1.5 مليار دولار في صافي الدخل النفطي، قد تشير إلى استمرار المقايضة بين النفطوالمحروقات في بعض الحالات، وإذا ما طبقنا الانحراف المعياري فأن الرقم يمكن أن ينخفض إلى 1.2 مليار دولار.

أن الاتاوات النفطية من الشركاء الأجانب تقريبا مطابقة للنموذج بانحراف بسيط.

تراجع أسعار النفط من 77 إلى 67 دولارًا للبرميل كلّف ليبيا حوالي 2.4 مليار دولار خلال الأشهر العشرة الأولى من2025 مقارنة بأسعار 2024، ولكنه في نفس الوقت خفض فاتورة استيراد المحروقات بمعدل 600 مليون دولار.

إن وضوح هذه النتائج يعزز الحاجة إلى قدر أكبر من الشفافية في البيانات النفطية، لأن أي غموض في هذا القطاعالحساس ينعكس مباشرة على قدرة الدولة على التخطيط المالي وإدارة مواردها بكفاءة.

Exit mobile version