in

تحركات داخل البرلمان لتقليص نفوذ عقيلة صالح وإعادة توازن السلطة

منذ أعوام، يشهد مجلس النواب الليبي حالة من الانقسام الداخلي بين جناح يقوده المستشار عقيلة صالح وآخرين يعارضون طريقة إدارته للمجلس وآليات اتخاذ القرار. ومع تزايد الضغوط الدولية والإقليمية لإعادة تفعيل المسار السياسي، برزت مواقف متباينة داخل البرلمان، ما أفرز تحركات غير معهودة من قبل بعض النواب، ونائبي الرئيس تحديدًا.

 

1. مخاطبة نائبي عقيلة بشأن القرارات الأحادية
مخاطبة نائبي رئيس المجلس لعقيلة صالح بخصوص القرارات الأحادية تعكس تحولًا في ميزان القوى داخل البرلمان. فهذه الرسالة لم تكن مجرد اعتراض إداري، بل إشارة سياسية قوية على أن عقيلة لم يعد يملك الغطاء الكامل داخل المؤسسة التشريعية، وأن جزءًا من القيادات بدأ يتجه نحو تقييد سلطته المنفردة.
الدافع المباشر: شعور النواب بأن عقيلة يتخذ قرارات كبرى (مثل المراسلات الرسمية والتعيينات والتكليفات) دون الرجوع إلى المكتب الرئاسي أو التصويت العام داخل القاعة.

الرسالة الضمنية: التلويح بأن استمرار هذا النهج قد يؤدي إلى إعادة النظر في موقعه القيادي داخل المجلس، خاصة في ظل تزايد الأصوات المطالبة بالتجديد أو “تحجيم دوره”.

2. هل التحرك مقدمة لتنحيته أم لتحجيمه؟
التحليل الواقعي يشير إلى أن التحركات الحالية لا تزال في مرحلة اختبار الضغط، وليست بالضرورة مقدمة فورية لتنحية عقيلة، لكنها قد تكون تمهيدًا لإعادة توزيع النفوذ داخل المجلس.

سياسيًا: هناك قناعة متنامية بين بعض النواب أن بقاء عقيلة في المشهد بصورته الحالية أصبح عائقًا أمام إعادة توحيد البرلمان، خاصة بعد أن أصبح شخصية جدلية داخليًا وخارجيًا.

عمليًا: يصعب تنحيته دون توافق واسع، لكن تحجيم دوره عبر قرارات جماعية أو تفعيل دور نائبيه يمثل خطوة واقعية أكثر قابلية للتنفيذ.

بمعنى آخر، نحن أمام مرحلة تمهيد لتقليص سلطاته وليس إقصائه بعد، إلا إذا تطورت الانقسامات إلى اصطفافات صريحة.

3. انعكاس استفراد عقيلة على الاتفاقات مع مجلس الدولة
استفراد عقيلة صالح بالقرارات أثّر سلبًا وبصورة مباشرة على المسار التفاوضي مع المجلس الأعلى للدولة:
من جهة، يرى مجلس الدولة أن أي اتفاق يتم مع عقيلة قد يفتقر إلى الغطاء التشريعي الكامل إذا لم يُعتمد من كامل مجلس النواب، مما يضعف الثقة في مخرجات التفاهمات المشتركة.

من جهة أخرى، فإن استفراده بالقرار جعل بعض الأطراف في مجلس الدولة تعتبر الحوار معه غير مجدٍ، خاصة عندما يُلغى أو يُجمّد أي اتفاق بمجرد تغيّر موقفه الشخصي.

نتيجة لذلك، فإن استمرار هذا النمط من القيادة داخل البرلمان يساهم في تعطيل مسار التسويات السياسية، ويعيد المشهد إلى مربع المماطلة والمؤسسات الموازية، مما يهدد فرص إجراء الانتخابات وإعادة توحيد المؤسسات.

قراءة تحليلية
ما يجري حاليًا هو محاولة داخلية لإعادة توازن السلطة داخل البرلمان، بين جناح عقيلة وجناح النواب الباحثين عن شراكة مؤسساتية حقيقية.

التحرك من نائبيه ليس صدفة، بل يعكس توافقًا ضمنيًا مع أطراف محلية وخارجية ترى أن عقيلة لم يعد مؤهلًا لقيادة المرحلة المقبلة بالطريقة ذاتها.

استمرار الاستفراد بالقرار قد يؤدي إلى تعطيل التفاهمات مع مجلس الدولة وإضعاف الثقة في أي اتفاقات جديدة.
المشهد يتجه نحو إعادة هندسة قيادة البرلمان، سواء عبر تحجيم عقيلة أو خلق توازن جديد داخل المكتب الرئاسي.
أولًا: السيناريوهات المحتملة لمستقبل عقيلة صالح ودور البرلمان

السيناريو الأول: تحجيم تدريجي لعقيلة دون إقصائه (الأكثر ترجيحًا)

يبقى عقيلة صالح شكليًا في موقعه كرئيس، لكن تُنتزع منه جزء من صلاحياته التنفيذية، خصوصًا في التواصل الخارجي والتعيينات الداخلية.
ملامح السيناريو:
تفعيل دور نائبيه في إصدار القرارات والبيانات الرسمية.
تشكيل لجان جديدة بموافقة جماعية للحد من سلطته الشخصية.

دعم هذا التوجه من قبل أطراف إقليمية (مثل مصر أو الإمارات) لتجنّب الفراغ المؤسسي مع الحفاظ على التوازن.
النتيجة:
استمرار عقيلة رمزيًا، لكن بسلطة محدودة، ما يفتح الباب أمام تسويات مع مجلس الدولة تحت غطاء مؤسسي أوسع.
السيناريو الثاني: تصعيد المواجهة الداخلية وتنحيته أو تجميد صلاحياته
إذا لم يستجب عقيلة للضغوط، قد يتطور الخلاف إلى اصطفاف واضح داخل البرلمان يقوده نائبيه وعدد من النواب الرافضين لاستفراده.

ملامح السيناريو:
دعوات رسمية لعقد جلسة لحجب الثقة عن رئيس المجلس أو انتخاب قيادة جديدة.
انقسام علني بين “مجلسين” داخل مجلس النواب، كما حدث سابقًا بين حكومتي الشرق والغرب.
تدخل مباشر من البعثة الأممية لحث البرلمان على تجاوز الجمود عبر قيادة جديدة.
النتيجة:
ظهور قيادة بديلة أو هيئة مؤقتة، لكن هذا المسار يحمل خطر شلل مؤسسي جديد يعمّق الأزمة بدل حلّها.

السيناريو الثالث: بقاء الوضع على ما هو عليه واستمرار الجمود
وهو السيناريو الأقل فاعلية، لكنه الأكثر اعتيادًا في السياق الليبي.

ملامح السيناريو:
استمرار عقيلة في اتخاذ قراراته الانفرادية.
اقتصار اعتراضات نائبيه على بيانات إعلامية.
تعطّل مسار الاتفاق مع مجلس الدولة، واستمرار الانقسام التنفيذي.

النتيجة:
تعطّل المسار الدستوري والانتخابي، مع بقاء الحالة الليبية رهينة توازنات القوى والضغوط الخارجية.
ثانيًا: الموقف الدولي والإقليمي

الأمم المتحدة:
تتابع البعثة الأممية الانقسامات داخل البرلمان وستضغط باتجاه قيادة توافقية تستأنف الحوار مع مجلس الدولة وتستكمل القاعدة الدستورية للانتخابات.
مصر:
رغم دعمها التقليدي لعقيلة، قد تقبل بتقليص دوره تدريجيًا حفاظًا على نفوذها في الشرق الليبي، خصوصًا إذا أصبح عبئًا على المسار السياسي.

تركيا وقطر:
قد تستغلان ضعف عقيلة لتمرير تفاهمات جديدة مع مجلس الدولة تقرّب المشهد من اتفاق سياسي معدل يضمن مصالحهما.

الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي:
سيسعيان لدعم أي قيادة برلمانية جديدة قادرة على تمرير القوانين الانتخابية وقبول التسويات الأمنية بين الشرق والغرب.

ثالثًا: الانعكاسات على المسار السياسي الوطني

إيجابيًا:
إذا نجح المجلس في تحجيم الانفراد بالقرار، فسيستعيد جزءًا من شرعيته ويصبح شريكًا مؤسسيًا فعالًا في الاتفاق مع مجلس الدولة، مما قد يُنعش المسار الانتخابي المتجمّد.

سلبيًا:
إذا تفاقم الصراع الداخلي، فستعود البلاد إلى مشهد الازدواجية المؤسسية وربما تشكيل برلمان موازٍ أو هيئة بديلة، ما سيُربك أي محاولة لإجراء الانتخابات في عام 2026.

خلاصة المشهد:
ما يجري اليوم داخل البرلمان الليبي ليس خلافًا إداريًا فحسب، بل هو إعادة تشكيل لمراكز القوة داخل مؤسسة تمثل مفتاح الحل السياسي في البلاد.
مصير عقيلة صالح سيكون مؤشرًا على مستقبل المرحلة السياسية برمتها:
فإذا تم تقييد سلطته بتوافق داخلي، فقد تُفتح نافذة لإعادة بناء الثقة بين البرلمان ومجلس الدولة.
أما إذا تصاعدت الأزمة، فستدخل ليبيا مرحلة جديدة من التنازع المؤسسي يصعب الخروج منها دون تدخل دولي قوي.

What do you think?

0 نقاط
Upvote Downvote

نقابة العمال: 48 شركة ليبية متعثرة و18 ألف عامل بلا رواتب منذ 2014

‏انقسام داخلي أم تغير في ميزان القوى.. ما وراء الخلافات داخل رئاسة البرلمان؟ ‏ ‏