in

اختلال الموازين قراءة في الموقف من “تيار الإسلام السياسي” بعد حرب غزة بقيادة حركة حماس

التعاطف الشعبي والعالمي، ومناكفة الخصوم:

على الرغم من أنّ حركة حماس أعلنت انفكاكها التنظيمي عن جماعة الإخوان المسلمين بشكل رسمي عند إصدارهاوثيقتها السياسية في الدوحة في الأول من مايو 2017، حيث أكّدت فيها أنّها حركة تحرر ومقاومة وطنيّة فلسطينية،إسلامية المرجعية، هدفها تحرير فلسطين، ولا تتدخل في شؤون أي دولة، ولا تتبع أي تنظيم أو جماعة خارجفلسطين.

غير أنّ خصومها السياسيين في الداخل والخارج أصرّوا على الاستمرار في نسبتها إلى الإخوان المسلمين، فيما عمّمبعضهم التسمية وأدرجها تحت وصف تيار الإسلام السياسي.

ومهما كانت التسمية فإن جمهور المسلمين من كل الشرائح تعاطف مع المقاومة الفلسطينية، التي تتصدرها حركةحماس، هذا بالإضافة إلى تعاطف شعوب العالم المناصرين لحقوق الإنسان ونضال الشعوب، ومع ذلك نجد فئة منالنّاس تقف في جانب المعارضين لما تقوم به حماس وتعتبره مغامرة غير محسوبة تسببت في خراب غزة، وهؤلاءخليط من تيار إسلامي معارض لجماعة الإخوان المسلمين، مع بعض المتطرفين من الإسلاميين والقوميين.

نتائج الحرب وانتصار الإرادة:

أمّا الآن، بعد انتهاء الحرب، وعلى الرغم من أن أضراراً جسيمة لحقت بالنّاس والممتلكات وارتفع عدد الشّهداءارتفاعًا كبيرًا؛ فإنّ الحرب التي خاضتها المقاومة الفلسطينية بقيادة حماس خرجت منها ظافرةً بانتصار إستراتيجيٍّسياسيٍّ ومعنويٍّ كبير؛ ومن الممكن تلخيص النتائج كما يلي:

حركة حماس والشعب الفلسطيني أثبتوا صلابة وصبراً وقوة لا مثيل لها، وهذا دليل على قوة المعتقد وثبات الإيمانبالقضية.

حركة حماس فرضت نفسها كطرفٍ أساسي في الحوار لا يمكن تجاوزه بفضل الصمود والتضحيات التي قدمتها عبرتاريخها.

عادت القضية الفلسطينية من جديد إلى بؤرة الأحداث في الساحة المحلية والدولية.

اعترفت عدة دول هامّة بدولة فلسطين، فيما أصبحت سردية إسرائيل عن الصراع محل تشكيك بل ورفض، إضافةإلى عزلة دولية باتت واضحة.

تراجع مشروع التطبيع الذي كان يُمهَّدُ له ويسير بخطى متسارعة مع دولٍ عربية عدّة، حتى وصلت محاولاته مؤخرًاإلى ليبيا.

صمود المقاومة الأسطوري أثار فضول الرأي العام العالمي لمعرفة سرّه، وقد كان دافعا للكثيرين للبحث عنالإسلام والاطلاع على مصادره.

هذه بعض النتائج ولعل هناك ما هو أبعد، ومن الممكن هنا ذكر بعض الحقائق التي لا تخفى على القارئ، منها:

أنّ حركة حماس هي جزءٌ لا يتجزّأ من تيار الإسلام السياسي حسب تسمية خصومها.

  قدّمت حماس ما لم يقدّمه غيرها من تضحيات خلال العقود السابقة.

لقد شهد العالم قوافل شهداء حركة حماس في معركتها ضد الاحتلال الإسرائيلي عبر التاريخ، وفي مقدمتهم قادتهاالشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي مرورا بالجعبري والعاروري إلى إسماعيل هنيّة والسنوار وغيرهم الكثير منأعضاء هذه الحركة من رجال ونساء.

يعلم الجميع أن هذا التيار يكاد يكون واحدًا في إطاره الفكري ومرجعيته، سواء في فلسطين وتونس ومصر وفيليبيا، وغيرها من الدول العربية والإسلامية، ويختلف فقط في تعاطيه مع الأوضاع تبعا للظروف الخاصة بكل بلد،وهذا أمر طبيعي ومحمود، وهذه الحقيقة يدركها أنصار هذا التيار وخصومه، ومما لا شك فيه أنّ هذا التيّار، بما فيهمحركة حماس، لهم اجتهاداتهم في ميدان السياسة وليسوا معصومين.

وما أرغب في الإشارة إليه من خلال هذه الأحداث هو ما يجري من صراع فكري وتشويه إعلامي وتضليل للشعوبالعربية وتجهيل لها، مما كان سبباً في إجهاض ثورات الربيع العربي.

شهادة شخصية من خارج جماعة الإخوان:

  في ليبيا، على الرغم من تصويت مجلس شورى الإخوان المسلمين، على حل الحركة بنسبة ثلثي المجلس، وانفكاكالكثير من القادة تنظيمياً عن الجماعة، فإن ذلك لم يمنع الخصوم السياسيين من استخدام الدعاية السياسيةالملفقة حول الإخوان المسلمين واستحضارها في كل مناسبة وموقف لاقصاء ومناكفة هذه الشخصيات.

   على الصعيد الشخصي لم أنتمِ يوماً للجماعة، ولا لأي تيار فكري، فقد كنتُ منشغلًا بالدراسة التي أخذت جل وقتيواهتمامي حتى صرتُ أستاذًا جامعياً في كلية القانون، ومنها مباشرة إلى ممارسة السياسة بعد ثورة فبراير، ومن واقعتجربتي السياسية لأكثر من ثلاثة عشر عامًا، وتقلدي لعدة مناصب سياسية، نائبًا لرئيس المؤتمر الوطني العام، ورئيسًالفريق الحوار السياسي بالصخيرات، ونائباً لرئيس المجلس الأعلى للدولة، وعضواً سابقاً في حزب العدالة والبناء، ثمعضواً في مجلس السياسات بالحزب الديمقراطي، وأخيراً مفوضاً عاماً في الحزب.

ولأني عبر هذه الرحلة كنت أعمل ضمن تيار سياسي مختلط يضمّ بعضًا من أبرز القيادات السياسية من هذا التيار،إضافة إلى غيرهم من السياسيين، أتاح لي ذلك قدرًا من الخبرة والاطلاع عن قرب حتّى أدلي بشهادتي وتقويمي.

إنّ المنتمين لهذا التيار، هم كغيرهم لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، ولكن السمة الغالبة في أكثرهم هي التكوينالجيد ووضوح الأفكار، والقدرة على التنظيم وسعيهم لممارسة العمل السياسي من خلال مؤسسات الدولة والعملالحزبي وفقًا للقانون، ورأيت في قياداته الإيمان بالفكرة والشجاعة والإقدام في الرخاء والشدة وتحمل المسؤولية.

ومن بين القيادات المحسوبة على هذا التيار السيد محمد صوان رئيس الحزب الديمقراطي حالياً، و رئيس حزبالعدالة والبناء سابقاً، فقد كان الحزب بقيادته من أهم داعمي ثورة فبراير بكل الوسائل، وكذلك كان له الدور الأبرز فيصد العدوان على طرابلس سنة 2019، وفي وقت الحوار والتوافق، من أجل السلم، قاد تيار التوافق الذي كان له الدورالأساسي في إنجاز التوافقات بين الليبيين، سواءً التي كانت برعاية أممية؛ كالصخيرات وجنيف، وكذلك التي حصلتبين الأطراف الليبية بشكل مباشر؛ كما حدث عند تشكيل حكومة برئاسة السيد باشاغا، وللأسف في كل تلكالمحاولات، كان ما أصطلح على تسميته بتيار التأزيم بقيادة المفتي، يقف ضدنا صفاً واحداً مع تيارات التغريبوالتطرف وخصوم ثورة فبراير، وواجهونا بنفس الأسلوب والأفكار كأنهم تواصوا به، فهم دائما ينتقدون أي اجتهادسياسي، ولا يطرحون أي بديل غير الصدام والحرب والحلول الصفرية.

ولكن عندما تورطت حكومة الدبيبة في محادثات التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، لم يتحرك تيار التأزيم كما كانيتحرك ضدنا، واكتفى بتحميل لوم خفيف لوزيرة الخارجية، وكأن الحكومة لا مسؤولية لها، على الرغم من أن اجتهادناالسياسي كان دائماً في اتجاه وقف الحرب بين الإخوة الليبيين، والمحافظة على وحدة البلاد، إلا أن هذا تيار ما انفكّيهاجمنا ويشتمنا، ويصدّع رؤوسنا برفض أي حوار أو توافق مع مجلس النواب أو القوى العسكرية في شرق البلاد، بلوصفوا من فعل ذلك بالضلال والكفر والتخوين، وأصدروا ضدهم الفتاوى، وكذلك عندما ظهر المستور وانكشفتالصفقات السريّة بين حكومة الدبيبة التي يدعمها تيار التأزيم، وبين قوى الأمر الواقع في الشرق؛ بشأن تسمية رئيسالمؤسسة الوطنية للنفط وتقاسم إنتاج النفط عبر شركةأركنوولقاءاتهم الثنائية لمحاولة تشكيل حكومة مشتركة،فإذا بهم يصمتون، بل يلتمسون الأعذار.

وهكذا مارس تيار التأزيم أشنع أنواع الازدواجية حيال محطات كثيرة أفقدته مكانته وثقة عموم النّاس به، وأكاد أجزمأن تيار التأزيم هذا، ومن لف حولهم، لو كانوا في نفس البلد الذي توجد فيه قيادات حركة حماس، وعايشوا تجربتهموتعاطيهم السياسي مع السلطة الفلسطينية ومع إيران وحزب الله، وحواراتهم مع الغرب وحوارهم مع العدوالإسرائيلي وتعاطيهم بمرونة مع المحيط العربي؛ لكفّروهم وبدّعوهم وخوّنوهم.

وتجدر الإشارة إلى أنّه، على الرغم من كل ذلك، لم ينجُ منتسبو دار الإفتاء الليبية من وسمهم بالإخوان المسلمين،رغم مهاجمة المفتي لتيار التوافق الذي يغلب عليه المنسوبون إلى الإسلام السياسي، ورغم انتقاده للإخوانالمسلمين ورفضه لهم كتنظيم. وهنا يمكن القول أنّ دوائر توجيه الرأي العام ومراكز الأبحاث الموجهة ووسائلالإعلام تتعمد تعويم مصطلحالإخوان المسلمينوعدم تحديد معناه، بحيث يمكن استخدامه على نحو أوسعلضرب أي مشروع وإقصاء كل منافس.

وهنا يجب التأكيد على أنّ هناك سرديّة تم ترسيخها بشكل عميق في وعي جزء كبير من الأمة، تقوم هذه السرديّة علىشيطنة أي تنظيم يستند على مرجعية إسلامية، ويضعه في إطار (الإخوان المسلمين)، الذي نجحت هذه السردية فينسبة كل شر وبلاء إليها، ما يجعل من واجب المثقفين الصادقين أن يفككوا هذه السرديّة ويحرروا وعي الأمة منزيفها وادعائها.

وقد رأينا كيف كان الحال في بعض دول الربيع العربي، مصر و تونس وفي ليبيا عندما حقق هذا التيار تقدماً فيالانتخابات، التي أجريت بنزاهة، ولكن للأسف تمّ بعد ذلك الانقلابُ عليه وإلصاق التُّهم والنّقائصِ به برعاية دولٍمعيّنة وتحت إشرافها وبقيادتها، وَصُرِفَت ميزانيّات ضخمة على وسائل إعلام موجهة لهذا الغرض، وللأسف لقد تمّاستدراج أغلب النخب السياسية وقدر كبير من الشعوب إلى هذا الفخ، وما زالت المساعي مستمرّة في هذا الاتجاه،وقد تمّ الانقلاب على هذا التيّار وأُجهضت التجربة الديمقراطية في الدّول الّتي فاز فيها بحجج واهية، وتعرّضللتّشويه الإعلامي، وخسر بذلك الجميع، وعاد الاستبداد في أبشع صوره، وكان أولى ضحايا عودة الاستبداد هي تلكالنخب التي ابتلعت الطعم وهناك نخب لم تستيقظ بعد.

استثناء زائف:

والآن بعد أحداث غزة التي زلزلت العالم وهزت ضمير الأمّة، ما زال هناك من يراوغ ويقول إن حماس استثناء وهمليسوا من ذات التيّار هروباً من أن يُنسب الفضل إليه، وحتى عندما تعجبهم تجربة بعض الدول التي يتصدرها التيارالإسلامي المعتدل، كما في تركيا وماليزيا، تجدهم يقولون إن هؤلاء ليسوا إسلاميين وهم بعيدون عنه! ولكن عندماينقمون على تركيا تجدهم يقولون إن نظام الحكم في تركياإخواني، وهؤلاء كما نلاحظ يناقضون أنفسهم وينتهجون ممارسات مفضوحة، ويتبعون الهوى ويظهرون ازدواجية في المعايير، وتجدهم عندما تخطئ حركة حماس،أو أي فريق من هذا التيار ،في اجتهادٍ سياسي ما، يقولون إن هذا التيار صنيعة مخابرات أجنبية! وأنهم يسعونللسلطة وأنهم يجمعهم تنظيم واحد وفكر واحد ولا فرق بينهم.

وهناك فريق آخر من خصوم الإسلام السياسي وبعض مُدّعي الوطنية يقولون إنّهم على وعي بكل ما سبق، وأنّهميقدّرون جهود ما يسمّونه بالإسلام السياسي، ولكنهم يرون أن على هذا التيار أن يتأخر الآن في هذه الظروف، لأنالقوى الدولية المتحكمة والداعمة لإسرائيل ترفض وجودهم في الحكم، وبالتالي هم عبء على ثورات الربيع العربيحتى وإن كانوا على حق، فليتأخروا طوعاً الآن ويفسحوا المجال لغيرهم لأن وجودهم عقبة، وعلى الرغم من سذاجةوسطحية هذا الطرح إلا أنه منتشر، وأصحاب هذا الرأي لم يقدموا أي مشروع بديل قادر على سد الثغرة.

بل نجد في ليبيا أنّه حتى عندما استجاب التيار الإسلامي المعتدل وترك قيادة الحكومات المتعاقبة، بعد ثورة فبراير،لشخصيات مستقلة، تمّت مهاجمتها ووصفها بـالإخوان المسلمين” ! وكثير من المجموعات المسلحة وجهت لهاذات الصفة، وألصقت هذه الصفة كذلك بشخصيات كثيرة في المؤتمر الوطني العام والمجلس الأعلى للدولة، وبعضالمتشددين الإسلاميين الذين هم على خلاف جذري مع الإخوان المسلمين.

فالمستهدف كان وأد ثورات الربيع العربي وإيقاف موجة تساقط الطغاة، وليس الغرض الحقيقي هو منع التيارالإسلامي المعتدل من الوصول إلى الحكم، فأصبح الخصم السياسي عندما يريد مهاجمة نظيره يصفه بأنه ينتميلجماعة الإخوان المسلمين، وهذا نراه يحدث على مستوى الأفراد والتكتلات.

ختامًا، فإنّ تقييم الأحزاب السياسية يجب أن يقوم على أساس ما تقدّمه من حلول واقعية ومشاريع وطنية واضحة، لاعلى الانتماء الفكري لأعضائها، وحين نصل إلى هذه القناعة، نكون قد بلغنا جوهر الديمقراطية الحقيقية التي تقومعلى التنافس بين مشاريع بناء الدولة وتنميتها ورفاهية شعبها، لا بين الانتماءات أو التصنيفات بهدف الإقصاء.

What do you think?

0 نقاط
Upvote Downvote

كُتب بواسطة ليلى أحمد

تحالف بلغاري يطالب بالعفو عن ساركوزي وفاءً لدوره في إنقاذ ممرضات “قضية الإيدز” بليبيا

النائب العام: اختلاس بـ12 مليون يورو وحبس مدير سابق للاستثمارات الليبية في مالي