ليبيا التي تطفو على بحيرة نفط ضخمة ومخزون مائي وغاز صخري، يواجه دينارُها الانهيار في ظل وجود محاولات هي أشبه بالسعي إلى طعن ليبيا والليبيين في الظهر، بدءاً من سياسات تراكمية موروثة خاطئة أبرزها الاقتصاد الريعي المعتمد كمنهج في البلد وهو ما سبّب التضخم المرتفع ضمن رؤية اقتصادية ضيقة لم تنجح طيلة عقود من إنتاج النفط في إيجاد اقتصاد بديل والتحول نحو الإنتاج الصناعي والزراعي.
هذا التدهور في قيمة الدينار هو على قائمة هموم المواطنين، ويبقى استقرار سعر الدينار أمام العملات الأجنبية هو التحدي الأكبر لإعادة بناء الاقتصاد الليبي بشكل صحيح بعيداً عن الاقتصاد الريعي الذي أنتج مجتمعاً كسولاً ينتظر المرتبات مطلع كل شهر من الحكومة وكأنها هبات وصدقات وليست مقابل عمل ما.
فليبيا اليوم بسبب الفوضى تنهب وتسرق، ودل على ذلك تصريحات المبعوث الدولي السابق غسان سلامة بأن ليبيا تُنهب، حيث قال: «لا يمكن حل الصراع من دون القضاء على نهب المال العام والاقتصاد الأسود في البلاد»، وأضاف أيضاً: «هناك مليونير جديد يظهر كل يوم في ليبيا نتيجة فساد يندى له الجبين»، وتأتي تصريحات مصطفى صنع الله، رئيس مؤسسة النفط الليبية، لتؤكد ما قاله إن البنك المركزي أهدر نصف تريليون دولار خلال السنوات الماضية من عائدات النفط، في ظل اتهامات للبنك المركزي بتمويل ميليشيات مسلحة على شكل شيكات ومرتبات. كما أن اتهامات صنع الله للبنك المركزي بإهدار الأموال، جاءت لتؤكد مطالبات كثيرة بعدم إيداع عائدات النفط الليبي في مصرف ليبيا المركزي الذي تسيطر عليه جماعة «الإخوان المسلمين».
ومن أسباب أزمة الدينار الليبي، الأموال التي تُنهب من الداخل ومن الخارج سواء المجمدة منها أو المسيلة، فمنذ أن أصدر مجلس الأمن الدولي قراراً بتجميد أرصدة ليبيا – وفق موقع «دويتشه فيله» الألماني، «فإن حجم أموال ليبيا، التي جنتها من عائدات النفط منذ عام 1969 تقدر بثلاثة تريليونات دولار» – لا أحد يعلم كم صرف منها طيلة 42 عاماً، الحقبة التي لم تشهد فيها ليبيا أي نهضة يمكن أن تفسر صرف تلك الأموال، ناهيك بما نُهب من أموال بعد فبراير (شباط) 2011 في ظل محاولات للاستيلاء على الأموال الليبية المجمدة في بلدان كثيرة حول العالم بعد سقوط النظام السابق.
إن عدم وجود حجم ضخم لديون خارجية يعتبر مؤشراً إيجابياً، ولكن العبث السياسي في الملفات الاقتصادية يعتبر السبب الرئيس في تدني قيمة الدينار الليبي مقابل العملات الصعبة، إذ فقد أكثر من 60 في المائة من قيمته مقابل الدولار، رغم خفض نسبة الاحتياطي للدينار لمعالجة أي حالة انهيار ممكنة، منذ أن أصبح البنك المركزي طرفاً في الصراع والتشظي السياسي، وأصبح محافظ البنك المركزي مسؤولاً عن السياسة الاقتصادية من دون إشراك وزارة التخطيط والمالية؛ حيث أصبحت سيطرته على البنك متكاملة.
محافظ المصرف المركزي الليبي في رسالته إلى مجلس النواب عبّر عن قلقه من الزيادة المفرطة في الإنفاق العام خلال السنوات الماضية، وقدر المحافظ العجز في موازنة عام 2024 بنحو 12 مليار دولار، وأن ذلك سيكون على حساب الاستدامة المالية والاستقرار النقدي، وطالب مجلس النواب بفرض ضريبة على بيع العملات الأجنبية، الأمر الذي اعتبره المراقبون بمثابة نهب لجيوب المواطن لمعالجة الإنفاق الحكومي المفرط من خلال ضريبة تقصم ظهر المواطن وتفرغ جيوبه.
أزمة الدينار الليبي تتفاقم في ظل محاولات الاستيلاء على أموال وودائع الدولة الليبية بالدولار في بعض البلدان التي أودعت في بنوكها وتحولت إلى أموال مجمدة، تنهشها سياسات البلدان المودعة فيها تحت مبررات مختلفة لشراء مديونيتها الداخلية، الأمر الذي تسبب في صدمة في الشارع الليبي قبل السياسي.
وتبقى حقيقة أزمة تدني قيمة الدينار الليبي نتيجة سوء إدارة الاقتصاد وتبعات لسياسات خاطئة ولن يفلح في حلها القفز عليها بالهروب إلى الأمام، وسحب فئات من العملات الورقية من التداول بالزعم أن فيها تزويراً رغم أنها طبعت بشكل قانوني ورسمي.
مسألة إنقاذ الدينار من الانهيار المدوي أولوية قصوى للمواطن قبل صانع القرار الغارق في سُبات عميق من قبل حكومتي البلاد غرباً وشرقاً وجشع «الكليبتوقراطيين» لنهب البلاد وجيوب العباد.
المصدر: صحيفة الشرق الأوسط