in

تغيير سعر الصرف لتغطية الإنفاق العام خطأ كبير

استخدام سياسة تغيير سعر الصرف لتغطية الإنفاق العام خطأ كبير ، ونتائجها هو ما نعاني منه اليوم من مشاكل اقتصادية.

يعتبر استخدام سعر الصرف لتمويل الإنفاق العام أحد عوامل تضخم الأسعار، والذي يتحقق في هذه الحالة لسببين؛ السبب الأول زيادة الإنفاق العام مما يؤدي إلى تنامي الطلب الكلي في اقتصاد غير إنتاجي ، ومن ثم زيادة عرض النقود ، والضغط على سعر صرف العملة المحلية ، وتكون النتيجة ارتفاع الأسعار.

والسبب الثاني أن تخفيض سعر صرف الدينار يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة في الأسواق ، لأن الاقتصاد يعتمد بدرجة كبير على الاستيراد من الخارج ( سلع استهلاكية وسلع إنتاجية ) .

كما يؤدي استخدام سعر الصرف ، كأداة لتمويل الإنفاق العام ، إلى تحييد السياسة النقدية والحد من فعاليتها في تحقيق أهدافها ، وعدم قدرة المصرف المركزي على الدفاع عن سعر صرف الدينار واستقراره ، وتجربة مصرف ليبيا المركزي ، مند عام 2017 ، تقدم درسا مستفاداً.

كما ان المصرف المركزي ، غير ملزم قانوناً بتمويل ميزانيات فلكية تتجاوز حدود الموارد المالية المتاحة ، بل معنيّ باستقرار سعر الصرف واستقرار المستوى العام للأسعار .

السؤال هنا ، إذا كان سعر الصرف لا يمثل الأداة المناسبة لتغطية نفقات الميزانية العامة ، وهو ما يجمع عليه آراء أساتذة الاقتصاد ، إلى أين يجب أن تتجه الأنظار وتقدم الحلول والمقترحات ، ولمن تقدم هذه الحلول والمقترحات في حال حدوث عجز كبير في موارد الميزانية ؟

الميزانية العامة هي برنامج الحكومة السنوي لتقديم الخدمات والإيفاء بإلتزاماتها تجاه الشعب ، هنا على الحكومة البحث في السعر التكافئيّ للنفط الذي يحقق دخلاً يكفي لتغطية تقديرات الإنفاق العام ، أو يحقق ميزانية متوازنة، وهو الإجراء الذي تقوم به معظم الدول النفطية ، بعيدا عن سعر صرف عملاتها ، ومن المعلوم ان الدول المصدرة للنفط لا تحدد أسعاره ، ولذلك يجب فهم توجهات أسعار الطاقة العالمية ، وتقدير سعر تحفظيّ تبنى عليه تقديرات الميزانية العامة، أو من ناحية أخرى العمل على زيادة معدلات استخراج النفط إن امكن ، وهو شر لا بد منه ، طالما كان النفط هو المصدر الوحيد للدخل ، رغم أن هذا التوجه يكرس الاعتماد على النفط وهيمنته على الاقتصاد ، وهو التوجه الذي لطالما حذرنا منه ولا ندعو إليه.

ولذلك فان افضل الخيارات على المدى القصير ، هو أولا ؛ ترشيد الإنفاق العام ، والرفع من كفاءة النفقات ، وتنمية مصادر الميزانية غير النفطية ، والابتعاد عن استخدام سعر الصرف لتمويل الميزانية ، ولا يجب على الحكومة التدخل في تحديد سعر النقد الأجنبي ، لأنها غير مؤهلة لذلك ، وإن المصرف المركزي هو الجهة المعنية بتحقيق استقرار الأسعار واستقرار الاقتصاد الكلي ، فهو الجهة المعنية قانونا بتحديد سعر صرف النقد الأجنبي قلً أو كثر ، وعلى الحكومة البحث عن مصادر تمويل أخرى في حال حدوث عجز، وثانيا ؛ على المدى المتوسط والطويل العمل على تنويع الاقتصاد بغية تنويع مصادر الدخل.

هذا القول يعني البحث عن وسائل أخرى لتمويل الميزانية ، عند حدوث عجز كبير في الإيرادات ؛ هنا تلجأ الحكومات إلى إصدار سندات الخزانة من خلال التوجه إلى السوق النقدي ( المصارف التجارية وصناديق التمويل ) أو التمويل بالصكوك.

سندات الخزانة وسيلة لاستثمار الفوائض المالية لدى المصارف التجارية ، ولا تخلو منها ميزانية أي مصرف تجاري في الدول التي بها أسواق نقد نشطة ، وتعتمد عليها الكثير من الحكومات التي تواجه مشاكل في تغطية نفقاتها.

ابحثوا عن سعر برميل النفط المكافئ الذي يحقق توازن الميزانية العامة للدولة ؛ وفكروا في آلية للتعامل معه ، ولا تبحثوا عن سعر الصرف المكافئ لاغراض الميزانية ، كما يدعوا إليه البعض !!! ، وإن تعذر ذلك ، فعلى الحكومة ضبط نفقاتها أو البحث عن مصادر تمويل محلية ، بعيداً عن سعر الصرف.

سعر الصرف يجب أن يستقر ، وعلاقته المباشرة تكون بميزان المدفوعات ، وليس بالميزانية العامة ، والمصرف المركزي غير مضطر لشراء دولارات النفط التي تملكها الحكومة بالسعر الذي يغطي لها نفقاتها ، لأن الحكومة دائماً تنحو للتوسع في الإنفاق العام ، و لأن المصرف المركزي معنيّ باستقرار المستوى العام للأسعار والمحافظة على أساسات الاقتصاد الكلي ، بعيداً عن الأصوات التي تنادي ببيع النقد الاجنبي بالمزادات أو التعويم ، أو استنتاج سعر الصرف الذي يكفي لتغطية نفقات الحكومة ( سعر الصرف المكافئ ) كما يدعو إليه البعض ، أو اعتماد سعر الصرف في السوق السوداء غير القانونية ، وهي دعوات مآلاتها كارثية ليس أقلها نشوب موجة تضخم في أسعار السلع والخدمات غير مسبوقة، وانهيار القوة الشرائية للدينار ، وتدهور مستوى معيشة المواطنين .

What do you think?

0 نقاط
Upvote Downvote

كُتب بواسطة سالم محمد

حبيب: مجلس الدولة سيناقش تعديل القوانين الانتخابية الاثنين المقبل

مجلس النواب: منع دخول المساعدات إلى غـ.زة جريمة جديدة ضد الإنسانية