Menu
in

تراجع الدولار: حقيقة استقرار أم وهم زائل يخدع الأسواق؟

الانخفاض في سعر الدولار بالسوق الموازية لا يترجم تلقائيًا أو فوريًا إلى انخفاض مماثل في الأسعار.
العلاقة موجودة، لكنّها مخنوقة بعدة عوامل: مدى استدامة الانخفاض، حجم التغطية الفعلية للاحتياجات المستوردة، سلوك التجار (المرونة غير المتماثلة)، ودرجة اندماج الأسواق مع الضغوط التضخمية المتأصلة.

1. آلية التأثير (Transmission Mechanism)

سعر الصرف يؤثر على تكلفة الواردات → تكلفة الاستبدال والإنتاج → تكلفة البيع النهائي.

الفترة الزمنية مهمة:

التأثير المبدئي يظهر في التكاليف المتوقعة.

التأثير الكامل يظهر تدريجيًا مع تجدد المخزونات وتحديث العقود.

2. مفهوم الـ Pass-through (معامل انتقال الأثر)

نُعرّف:

βSR = معامل الانتقال على المدى القصير.

βLR = معامل الانتقال على المدى الطويل.

في اقتصاد يعاني من تشوهات السوق وغياب الثقة (كما في حالات عدم استقرار الصرف)، القيم المتوقعة غالبًا تكون:

βSR = 0.1 – 0.3

βLR = 0.4 – 0.7

المغزى:

انخفاض مؤقت في سعر الصرف → أثر ضئيل ومتأخر على الأسعار.

انخفاض مستدام → أثر أكبر وأطول مدى.

3. الفرق بين الانخفاض المؤقت والمستدام

المؤقت: ناتج عن ضخ لحظي (فتح اعتمادات أو مخصصات قصيرة).

تأثيره على السوق الموازية قصير الأجل.

التجار يحافظون على هوامش ربح مرتفعة ولا يخفضون الأسعار بانتظار عودة السعر.

النتيجة: تأثير ضعيف وغير ملموس على الأسعار الاستهلاكية.

المستدام: يتطلب استمرارية في العرض الأجنبي (جداول اعتمادات منتظمة، سيولة دولارية ثابتة، ثقة السوق).

مع تجدد المخزونات بالسعر الأدنى يبدأ الانخفاض الفعلي في أسعار السلع المستوردة.

الأثر: انكماش تدريجي في معدلات التضخم.

4. سلوك الفاعلين في السوق

التجار: يعكسون ارتفاع الدولار بسرعة، لكن يخفضون الأسعار ببطء (ظاهرة asymmetric pricing).

المستهلكون: لا يشعرون بالتحسن إلا عند انخفاض واضح ومستمر في الأسعار الأساسية.

المضاربون: يستغلون الضخ قصير الأجل كسعر مؤقت، ثم يعيدون رفع السعر عند تراجع التغطية.

5. مؤشرات يجب مراقبتها

وتيرة فتح الاعتمادات وحجمها.

احتياطيات البنوك من العملات الصعبة.

أحجام التداول في السوق الموازية وتذبذب السعر اليومي.

تجدد المخزونات وأسعار الشراء الأخيرة لدى التجار.

مؤشر توقعات التضخم (استطلاعات أو أدوات مالية إن وُجدت).

🌟 سيناريوهات مبسطة

سيناريو A – انخفاض قصير الأجل: ضخ دولارات لمرة أو مرتين → انخفاض مؤقت في السوق الموازية → انتقال ضعيف للأثر → الأسعار لا تتغير فعليًا أو تتراجع هامشيًا.

سيناريو B – انخفاض مستدام: فتح اعتمادات منتظمة وتغطية للاحتياجات لشهور → انخفاض دائم في السوق الموازية → تجدد المخزونات بالأسعار الجديدة → انخفاض ملموس في أسعار السلع وتراجع تدريجي للتضخم.

توصيات سياسية وعملية

الاستدامة أهم من الصدمة المؤقتة: يجب أن تكون سياسة الاعتمادات منتظمة وقابلة للتوقّع.

التواصل والشفافية: نشر بيانات منتظمة عن المخصصات وحجم الاستيراد لتقليل المضاربات.

إجراءات قصيرة الأجل: تقديم حوافز لتخفيض الأسعار (مثل آليات ضبط أسعار أو تخفيض الرسوم على السلع الأساسية عند انخفاض التكلفة).

مراقبة المؤشرات: إنشاء لوحة قيادة (dashboard) لمتابعة الاحتياطيات، أحجام التداول في السوق الموازية، ومستويات المخزون لدى التجار.

الخلاصة

الانخفاض في سعر الدولار بالسوق الموازية قد يكون بشرى مؤقتة، لكن المواطن لن يشعر به تلقائيًا ما لم يكن الانخفاض مستدامًا ومؤسسًا على سياسات تغطية واضحة ومؤسساتية.
الحل الحقيقي لا يكمن في صدمة سعرية واحدة، بل في بناء ثقة مستمرة في سوق العملة وفي آليات توريد واستيراد شفافة ومنتظمة. عندها فقط يصبح انخفاض الدولار سببًا فعليًا لانخفاض الأسعار اليومية.

كُتب بواسطة سالم محمد

Exit mobile version