in

غياب الشفافية في حسابات النقد الأجنبي وميزان المدفوعات

تناولت عدة إدراجات على “فيسبوك” بيان مصرف ليبيا المركزي بشأن الإيرادات والإنفاق بالنقد الأجنبي خلال الفترة من يناير 2025 إلى نهاية أغسطس 2025. وقد أبدى أصحاب هذه الإدراجات ملاحظات وتحفّظات حول الأرقام التي تضمنها البيان وما انتهى إليه من نتائج.

وأودّ هنا أن أوضح أنني لست بصدد المشاركة في تقييم الأرقام أو التأكد من دقتها، حيث بذل المعلقون والمحللون جهدًا كبيرًا في هذا المجال، ولا أهدف إلى تفنيد ما توصلوا إليه أو التشكيك في صحة البيانات؛ لكنني أرغب فقط في التنبيه إلى نقطتين مهمتين:
الأولى تتعلق بمنهجية تحديد العجز أو الفائض في ميزان المدفوعات، استنادًا إلى الأرقام التي عرضها مصرف ليبيا المركزي في بيانه.
أما الثانية فتتعلق بمصادر النقد الأجنبي التي ينبغي أن تدخل في حساب إجمالي الإيرادات بالنقد الأجنبي خلال الفترة، والتي تستوجب المزيد من الشفافية والإفصاح من قبل الجهات التي يُفترض أن تولّد أنشطتها عملة أجنبية، سواء لكونها تدير أصولًا مقوّمة بالنقد الأجنبي في الأساس، أو لامتلاكها أنشطة تصديرية أو مساهمات خارجية تدر عليها توزيعات بالنقد الأجنبي.

فيما يخص منهجية قياس العجز أو الفائض في ميزان المدفوعات، من المهم الإشارة إلى أن ميزان المدفوعات هو سجل لجميع المعاملات التجارية والمالية الدولية التي يقوم بها سكان البلد خلال فترة زمنية محددة، ويتكون من ثلاثة عناصر: الحساب الجاري، والحساب المالي، وحساب رأس المال.
والمتعارف عليه أن يُقاس العجز أو الفائض في ميزان المدفوعات سنويًا أو ربع سنوي، لا شهريًا، لكي يكون لهذا القياس معنى اقتصادي. فخلال شهر واحد قد تكون هناك دفعات أو حوالات واردة أو صادرة قيد التنفيذ، أو دفعات مؤجلة لمواعيد استحقاق لاحقة، ما يجعل الفترة الشهرية غير كافية لإعطاء صورة حقيقية عن الوضع.
لذلك لا أرى جدوى اقتصادية من مقارنة صافي تدفقات النقد الأجنبي من شهر لآخر، إذ قد يتحول الفائض إلى عجز والعكس صحيح. ولا يمكن تأسيس أو تغيير سياسة اقتصادية بشكل شهري وفق أوضاع ميزان المدفوعات. وعليه، فإن الأرقام المعلنة لا تعدو كونها تدفقات نقدية بحاجة إلى مراجعة حتى يمكن اعتمادها ونشرها كنتيجة نشاط.

أما بالنسبة إلى مصادر النقد الأجنبي واستخداماته، فهي تُدرج في الحساب الجاري لميزان المدفوعات، الذي يقيس التجارة الدولية (الصادرات والواردات)، وصافي الدخل على الاستثمارات، والمدفوعات المباشرة. وهنا يكمن مطلب الشفافية والإفصاح اللازمين.

في ليبيا، جرت العادة على التركيز على إيرادات تصدير النفط والغاز بالنقد الأجنبي باعتبارها المصدر الرئيس للدخل، في حين لم يُول الاهتمام الكافي للمصادر الأخرى التي ينبغي تسجيل أرباحها بالحساب الجاري باعتبارها تدفقات نقدية إلى الداخل تؤثر على وضع الميزان ونتيجته.

من أبرز هذه الموارد:

عائد استثمارات مصرف ليبيا المركزي لاحتياطياته عبر المحافظ الاستثمارية والسندات والودائع الزمنية لدى المصارف الأجنبية. هذه تُعد من مكونات إيرادات النقد الأجنبي، حيث يحقق المصرف أرباحًا سنوية تُحوّل لوزارة المالية كتوزيعات. هذه الأرباح يجب أن تُسجّل ضمن الحساب الجاري لميزان المدفوعات، وكذلك المصروفات التي ينفقها المصرف بالنقد الأجنبي.

عوائد استثمارات المؤسسة الليبية للاستثمار بما في ذلك محفظة ليبيا أفريقيا، والمحفظة الاستثمارية طويلة المدى، والشركة الليبية للاستثمارات الخارجية. هذه العوائد ينبغي أن تؤول إلى الخزانة العامة وتُسجّل في الحساب الجاري.

نشاط المصرف الليبي الخارجي الذي يدير مساهمات عديدة في دول مختلفة، وتوزيعاته تعود للمصرف المركزي وتُعتبر جزءًا من الإيرادات بالنقد الأجنبي.

بوجه عام، يجب الإفصاح عن جميع عوائد الاستثمارات الليبية في الخارج وإدراجها جنبًا إلى جنب مع إيرادات النفط عند الإعلان عن الإيرادات بالنقد الأجنبي في أي فترة زمنية. وفي حال غياب هذه الأرباح أو عدم توريدها، ينبغي أن تظهر قيمتها “صفرًا”.

أما بالنسبة إلى إمكانية استخدام ناتج إعادة تقييم الأصول في تغطية العجز، فذلك يخضع للسياسة المحاسبية المتبعة ودورية التقييم، ولا يجوز الاعتماد على أرباح دفترية لمعالجة عجوزات أو خسائر فعلية.

الخلاصة:
الشفافية تقتضي عرض الحساب الجاري بميزان المدفوعات بمكوناته المختلفة من حين لآخر لتقدير الموقف الحقيقي للاقتصاد وتحديد السياسات المناسبة. غير ذلك، يظل الموقف غامضًا والمعالجات جزئية ونتائجها محدودة.

ما رأيك ؟

0 نقاط
Upvote Downvote

كُتب بواسطة Juma Mohammed

“هيومن رايتس ووتش” تجدد مطالبتها بالتحقيق العاجل في استمرار اختفاء النائبين “سرقيوة” و”الدرسي”

تشاد تنفي أنباء عن هجوم مرتقب في “تيبستي” وتندد بسهولة عبور بعض المجرمين الحدود مع ليبيا والنيجر