لعلّ من المسلّمات أن المرء ملزم بما يتبناه من مرجعيات ومبادئ، خاصة تلك المرجعيات التي يصل بها إلى درجة التقديس ويلزم الناس بها على أنها دين الله، وأن الإقدام على ما يخالفها معصية يحتقبها المخالف ويبوء بإثمها.
إذا تقرّر هذا، فإننا نجد دار الإفتاء تنص في قرار مجلس البحوث والدراسات الشرعية رقم 1 لسنة 2022 على: “لا يجوز لدولة ولا هيئة اجتماعية ولا أفراد، بطريق مباشر أو غير مباشر، أن يعفوا أو يتحاوروا أو يتصالحوا مع من أجرم في حق الوطن بالتهجير أو القتل أو الحروب أو الاستيلاء على الأموال الخاصة أو العامة، قبل القصاص وإقامة العدل، لتقرر الحق في ذلك لأصحابه المتضررين أو خزينة الدولة”، ودار الإفتاء كما عودتنا في خطابها أنها تدور مع الحق حيثما دار، ولا تجامل في دين الله أحداً، وهنا لا بدّ من وقفات وتساؤلات:
1. ألم تخالف الحكومة التي تؤيدونها ما قررتموه مرات وكرات، بتوطيد العلاقة مع دولة الإمارات وتكرر الزيارات إليها، وباتفاقها على تقاسم النفط مع معسكر الشرق وقيادته، ومنح الترخيص والإذن لشركة أركنو التي لا يعرف الليبيون كم تبلغ حصتها من نفط بلادهم، وكان آخر هذا الإصرار على مخالفتكم هو لقاء روما.
2. لماذا هذا السكوت ممن تجرّد للحق وتصدّى لبيانه، هل هذا من باب الموازنة بين المفاسد والمصالح، أم هل هي المداراة؟
3. إن كان الأمر موازنة بين المصالح والمفاسد، أو لنقل بين أخف المفسدتين ضرراً، فلا جرم أنكم ستقولون: بقاء هذه الحكومة على فسادها وعَوارها خير من حكومة يأتي بها معسكر الشرق ومجلس نوابه.
4. والواقع يكذّبكم في هذه الموازنة الفاسدة: فإن هذه الحكومةَ داءٌ كلما طال أمد بقائها استقوت جرثومة المشروع العسكري وتمكنت، وصفقة مؤسسة النفط التي رعتها الإمارات وجاءت بـ(بن قدارة) خير شاهد وأصدق برهان، وما لقاء روما إلا بحث عن صفقة جديدة تنتعش بها هذه الحكومة، وإن كان شريكها في الصفقة السابقة يبدو هذه المرة زاهداً في شراكتها بعد أن استقوى، وبعد أن أنهك الحكومة شركاؤها المتشاكسون من مليشيات الغرب.
5. وأما المداراة ومحاولة التبرير بها فلا أظن الدار ستقول بها، إلا إن كانت تقصد مداراتها هي للحكومة من أجل المصلحة الضيقة.
6. في هذا الموقف المحرج الذي تضع فيه الحكومةُ مناصِرَتها (دار الإفتاء) لا يجد أنصارُها إلا أن يقولوا: هذه الحكومة أنتم من جئتم بها عبر اتفاق جنيف، وأنتم من ورطتمونا فيها، وإذا سلمنا جدلاً بهذا، فإننا نقول: إذا كان اتفاق جنيف كاتفاق الصخيرات -الذي تعتبرونه منكراً وزوراً- فلماذا لم يكن موقفكم منها كموقفكم من حكومة الصخيرات؟ ولماذا أيدتموها ودعمتموها رغم ما أتت به من طوامٍّ تتصدرها فضيحة التطبيع؟
7. إن هذه الحكومة نجحت نجاحاً باهراً في تحويلكم من تيار التأزيم إلى تيار التبرير الذي طالما رميتم من خالفكم بتهمته وشنعتم عليه بسبب ذلك.
8. وبعيداً عن تبريرات تيار التأزيم وما فيه حرج، فإن خارطة الطريق التي تطرحها البعثة الأممية اليوم هي فرصة لتجاوز الصفقات المشبوهة، التي لا تستند إلى مرجعية ولا تنتجها مؤسسات، ولعل المنطقة الغربية تجد ما يجمعها ويوحدها في هذه الفرصة.