كثيراً ما نصحني بعض الأصدقاء بالتقليل من ظهوري على شاشة قناة ليبيا الأحرار، لاعتقادهم أن القناة فقدت قدرًا من الموضوعية في تناول الشأن السياسي، وأن خطها التحريري بات منحازًا لاتجاه واحد، فضلاً عن تراجع المستوى المهني في اختيار بعض الضيوف الذين لا يتحقق بوجودهم التكافؤ العلمي أو الأخلاقي، فيتحول الحوار إلى ساحة مقاطعة ومهاترات شخصية، حيث يُعطى الوقت الأكبر لأصحاب اللسان السليط والاتهامات المفتوحة بدلًا من النقاش الموضوعي.
أحياناً مثل هؤلاء الضيوف يُختارون عمدًا لإثارة الجدل أو لمعادلة النقاش بطريقة لا تقوم على التكافؤ العلمي أو الأخلاقي، فتمنح لهم مساحة للتسفيه والسب والشخصنة بعيدًا عن الموضوع الأصلي المطروح للنقاش، فهذه الممارسات تسيء للمهنة الإعلامية.
رغم إدراكي لهذا فإنّي أحاول معهم أن ألتزم الموضوعية وأبتعد عن الشخصنة، ولكن للأسف تبقى حماقاتهم وبذاءة ألسنتهم طاغية أثناء الحوار، هؤلاء لا مشروع لديهم ولا رؤية للبناء؛ أسهل ما عندهم هو التمترس في موقع الناقد الدائم الذي لا يستطيع أن يعمل شيء، ولايتحمل مسؤولية عن شيء، بينما يهاجم كل شيء.
لم أتردد يوماً في تلبية أي دعوة إعلامية تصلني من أي قناة، سواء للتعليق على حدث سياسي أو المشاركة في حوار حول قضايا الوطن والمواطن، دوافعي في ذلك تنبع من واجبي الوطني ومن قناعتي بأنّ طرح تجربتي السياسية، بما لها وما عليها، قد يفيد غيري؛ فالإيجابيات يُبنى عليها، والسلبيات يتم تجنّبها. وأنا أعتز بهذه التجربة التي خضتها بإيمان صادق بضرورة بناء دولة القانون والمؤسسات.
و فيما يتعلق باختياري للعمل السياسي عبر حزب سياسي لم يكن عابرًا، بل كان نتيجة قناعة راسخة منذ سنوات دراستي للقانون وتدريسي له، فالعمل الحزبي، برأيي، هو الأداة الأنجع لتفادي العصبيات القبلية والمناطقية التي عطّلت بناء الدولة الحديثة في بلادنا.
كنت في السابق أشارك في البرامج دون أن أسأل عن هوية المذيع أو الضيوف، أما بعد التجارب الأخيرة فسأشترط أن يكون الحوار مع شخصيات محترمة تناقش القضايا بموضوعية واحترام متبادل، فمن حق الجمهور الأستماع لمختلف الأراء، لكن من حقي، بل من واجبي، أن أربأ بنفسي عن الانجرار إلى حوارات مع شخصيات تمتهن التهريج والتسفيه.
فعندما شاركتُ، عبر قناة ليبيا الأحرار، في التعليق على إحاطة المبعوثة الأممية، كنت بصفتي أستاذاً جامعياً متخصصاً في القانون العام، وبحكم خبرتي العملية السياسية كنائب سابق لرئيس المؤتمر الوطني العام، ونائب أول سابق لرئيس المجلس الأعلى للدولة، ورئيس سابق لفريق الحوار السياسي الذي قاد إلى اتفاق الصخيرات، ودبلوماسي سابق.
ولم أكن في تلك الجلسة ممثلاً للحزب الديمقراطي الذي أفتخر بأنني أحد مؤسسيه.
كما أفخر بأنني ليبياً مسلمًا معتزًا بديني دون أن أضع نفسي في أي تصنيفات فكرية.
و فيما يتعلق بجماعة الإخوان المسلمين، التي لستُ جزءًا منها، ولم أنتمِ إليها يوماً، فحسبهم شرفًا أنهم يقفون اليوم في غزة في مواجهة العدو الإسرائيلي، أشرس أعداء الأمّة، فهذا التيار أكبر من أن يقيّمه صلاح البكوش، وهو ليس في حاجة لانتماء صالح المخزوم، ولقد عرفتُ الكثير من الأفاضل منهم.
إنّ قناعتي الراسخة هي أن الحوار الوطني مسؤولية أخلاقية قبل أن يكون مهمة سياسية أو إعلامية، ولن أبخل بجهدي أو تجربتي على أي منصة تسعى بصدق لإعلاء مصلحة الوطن، لكنني في المقابل لن أسمح بأن أكون طرفًا في مسرحيات إعلامية هدفها الإثارة لا البناء.
صالح محمد المخزوم، أستاذ القانون الدستوري بجامعة طرابلس.