شهدت الانتخابات البلدية التي أُجريت السبت الماضي في 26 بلدية من بين البلديات المستهدفة للمجموعة الثانيةوعددها 63 بلدية، 41 في الغرب و13 في الشرق و9 في الجنوب ـ واقعًا متباينًا بين مناطق البلاد، عكس بوضوح حجمالتحديات السياسية والأمنية التي تواجه العملية الانتخابية المحلية.
فعلى الرغم من انطلاق التصويت في عدد من البلديات وسط إقبال متفاوت من الناخبين، إلا أن الانتخابات مُنعت فيبلديات أخرى بقرارات صادرة عن الحكومة المكلّفة من البرلمان، والتي أوقفت العملية الانتخابية في 26 بلدية بينها16 بلدية منعتها عشية الاقتراع.
ترافقت هذه الإجراءات مع اعتداءات طالت مقار إدارية تابعة للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات، في الزاويةوالساحل الغربي وزليتن، مما أدى إلى تأجيل الانتخابات في 7 بلديات رئيسية إلى 23 أغسطس المقبل، من بينهاالزاوية المركز، والزاوية الغربية، والشمالية، وصبراتة، وصرمان.
وبينما اعتبرت المفوضية هذه الاعتداءات “إجرامية” و“استهدافًا صريحًا لحق المواطنين في اختيار ممثليهم“،أكدت أنها لن تثنيها عن مواصلة جهودها لتنظيم انتخابات حرة ونزيهة، رغم العراقيل السياسية والانقسامالحكومي.
ورغم الشكاوى من خروقات تعرضت لها بعض قوائم المرشحين في بلديات منها سواني بن آدم وحي الأندلس ـأعلنت المفوضية أن نسبة المشاركة بلغت 71% من إجمالي المسجلين، حيث تجاوز عدد المصوتين 161,684 ألفناخب.
وأوضحت المفوضية أن العملية الانتخابية جرت بسلاسة ولم تشهد أي خروقات تذكر، رغم محاولات التشويش التيرافقتها مشيرة إلى أن النتائج الأولية للانتخابات ستُعلن خلال 21 يوماً من يوم الاقتراع،
بعيدة عن الصراعات
المحلل السياسي موسى تيهوساي يقول إن الانتخابات البلدية تمثل تغييرًا محدودًا يقتصر على السلطات الخدميةداخل البلديات، وينبغي أن تظل بعيدة عن الصراعات السياسية وتصفية الحسابات.
ورأى تيهوساي في تصريح للرائد، أنه لا مبرر لتعطيلها سوى السعي للسيطرة المطلقة على كل مفاصل السلطة.
وأضاف تيهوساي أن استغلال البلديات في الصراع السياسي يشبه توظيف القبيلة لحشد الولاءات، وهو ما يضربالتعددية ويقوض الحق الدستوري في تداول السلطة، سواء على المستوى البلدي أو البرلماني.
واعتبر تيهوساي أن هذه الممارسات تشكل مؤشرًا سلبيًا للغاية بشأن الانتخابات البرلمانية المقبلة، التي قد تُجرىفي ظل مناخ يكرس فرض الأمر الواقع ويبتعد عن مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة بين المترشحين.
حكومتان متنازعتان
ومن جانبه، قال المحلل السياسي السنوسي إسماعيل، إن مشهد الانقسام بين حكومتين ألقى بظلاله الواضح علىسير الانتخابات البلدية، مما يثبت – حسب تعبيره – أنه لا يمكن إجراء انتخابات رئاسية أو برلمانية في ظل وجودحكومتين متنازعتين.
وأكد إسماعيل، في تصريح للرائد، ضرورة العودة إلى الاستحقاق الأساسي، وهو تشكيل حكومة موحدة تُنهيالانقسام، وتلم شمل الدولة الليبية ومؤسساتها، وتوفر الظروف المناسبة لإجراء الانتخابات القادمة، إلى جانب تقديمالخدمات للمواطنين في كل مناطق ليبيا دون استثناء.
وأضاف أن الحكومة المقبلة يجب أن تمثل جميع الأطراف الرئيسية والفاعلة، لأن الحاجة باتت ماسة لتوحيد البلاد،وبسط هيبة الدولة، وفرض القانون، وهو ما سيسهم في تسريع موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التي يتطلعإليها الليبيون كنقطة انطلاق نحو بناء الدولة المنشودة.
وأشار إلى أن المسار الديمقراطي في ليبيا يحتاج إلى معالجة محلية، لكنه أيضًا يتطلب توافقًا دوليًا وإقليميًا على أيعملية سياسية مقبلة.
وتابع السنوسي أن الانتخابات البلدية، رغم الدعم الدولي الذي حظيت به، لم تُجرَ في بيئة موحدة وآمنة، وهو ما يبرزأهمية وجود حكومة واحدة تسيطر على كامل التراب الليبي.
حكومة ضعيفة راعية للفساد
من جهته، رأى الكاتب السياسي محمد غميم أن الديمقراطية في بعض مراكز الانتخابات البادية فرغت من مضمونهاتحت مشاهد رمي الرصاص وتهديد الناخبين وشطب بعض المترشحين وإقفال بعض مراكز الانتخابات وحرق مراكزاخرى.
وأضاف في تدوينة على صفحته بفيسبوك، أن ذلك يدل على أن ليبيا ليست جاهزة للديمقراطية ولا لإجراء انتخاباتبرلمانية ورئاسية في ظل هذه الحكومات الضعيفة الراعية للفوضى والانفلات.
وتابع “أن الديمقراطية منظومة متكاملة ابتدعها البشر للتنظيم وليس للفوضى، ولا يمكن بحال من الأحوال أن تشرفعلي تطبيقها حكومة ضعيفة راعية للفساد، لأن الناتج سيكون مشوها ولن يأخذ من الديمقراطية إلا اللافتات المعلقةعلي جدران مراكز الاقتراع لا غير.”
انتهاك للحقوق السياسية
ورحبت بعثة الأمم المتحدة بفتح مراكز الاقتراع في 26 بلدية، معتبرة الانتخابات فرصة لتجديد شرعية السلطاتالمحلية..
وأعربت عن أسفها لتعطيل الانتخابات في عشرات البلديات بناءً على تعليمات من مؤسسات أمنية تتبع الحكومةالمكلفة من البرلمان ، معتبرة ذلك انتهاكًا للحقوق السياسية.
ورغم إصرار المفوضية على المضي في المسار الديمقراطي، فإن الانقسام السياسي والاعتداءات الأمنية يطرحانتساؤلات جوهرية حول مستقبل الاستحقاقات الوطنية الكبرى.
فهل تستطيع ليبيا تجاوز هذه العقبات وتوفير بيئة آمنة وموحدة لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية حقيقية تعكسإرادة الشعب؟