in

ليبيا بين التشظي السياسي واستحقاقات الدولة الغائبة

في كل مرة نُعيد فيها النظر إلى المشهد الليبي، يتضح أن ما نعيشه ليس أزمةً عابرة، بل انهيارٌ طويل الأمد في بنية الدولة السياسية.
ليبيا لم تعد مجرد بلد يفتقد حكومة موحدة، بل أصبحت ساحة مفتوحة لتضارب الإرادات، وتكريس الانقسام حول حلول مؤقتة لا تستند إلى مقومات حقيقية، بل تعيش على دعم خارجي أو تسويات هشة لا تُبقيها حية إلا بجرعات خارجية.
جذور الأزمة الليبية أعمق من مجرد صراع على السلطة؛ إنها أزمة في تصوّر الدولة، وفي غياب اتفاق وطني يُجيب بوضوح عن أسئلة: من يحكم؟ وكيف؟ وبأي شرعية؟
لا يزال غياب الرؤية السياسية الجامعة والدستور الدائم يُكرّس منطق الغنيمة ويُعيق التأسيس لمسار مستقر.
والسبب في ذلك هو غياب التوافق الوطني الحقيقي، وافتقار القوى السياسية إلى رؤية تتجاوز الحسابات الضيقة، فضلًا عن التدخلات الخارجية التي كرّست الأمر الواقع وأضعفت الإرادة الوطنية.
المعضلة الأكبر لا تكمن فقط في تعدد الحكومات، بل في تعمّد الإبقاء على حالة السيولة السياسية. فهناك من يربح من الفوضى، ويرى في استمرار المرحلة الانتقالية وسيلة للبقاء في المشهد دون محاسبة أو شرعية شعبية. وهنا تتقاطع المصالح المحلية مع الأجندات الإقليمية والدولية، فتُنتج بيئة سياسية خاضعة لا تتفاعل مع الداخل، بل تتحرك وفق ميزان الخارج.
ومن المؤلم أن المواطن الليبي، الذي حلم بدولة القانون والمؤسسات، يجد نفسه بين فكي كماشة: حكومات متنازعة، سلطات تفتقر إلى الشرعية، ومشهد سياسي لا يعترف بحقه في الاختيار.
تجاوز هذه الأزمة لا يكون بتدوير الوجوه أو تجميل الأجسام القائمة، بل بإرادة جادة لإعادة تأسيس الدولة على قواعد صلبة. لا بد من عملية سياسية شاملة، تنطلق من حوار وطني حقيقي، لا يخضع للمحاصصة أو الإملاءات، وتنتهي بانتخابات حرّة تُنتج سلطة موحدة، تُخضع الجميع للقانون، وتعيد السيادة لليبيين.
ليبيا اليوم ليست بحاجة إلى حكومة واحدة فقط، بل إلى رؤية وطنية جامعة تعيد بناء الثقة بين المواطن والدولة، وتنقلنا من عباءة المراحل المؤقتة إلى الاستقرار والديمومة. فالوقت لم يفت بعد، وما زالت أمامنا فرصة لنكتب مستقبلنا بأيدينا، إن توفرت الإرادة الوطنية الصادقة.

ما رأيك ؟

0 نقاط
Upvote Downvote

كُتب بواسطة ليلى أحمد

وزارة التعليم: مقترح إلغاء امتحان الشهادة الإعدادية وتحويلها إلى مرحلة نقل لا يزال في إطار النقاش الأولى

حكماء طرابلس يحملون حكومة الوحدة مسؤولية الانفلات الأمني ويدعون لمحاسبة المجرمين