in

بين أنقاض سبتمبر وخيبات فبراير: من يحكم ليبيا اليوم؟

ليبيا اليوم ليست فبراير، وليست حتى سبتمبر. من يحكمها فعليًا ليسوا من صنّاع فبراير ولا من رجال النظام السابق، بل هم أولئك الذين وقفوا دومًا في الظل، يتربصون بالمشهد من الهامش، لا يعنيهم مصير وطن، ولا يؤرقهم سؤال التاريخ.

إنها طبقة الصف الثاني من سبتمبر، أولئك الذين لم يكونوا في واجهة النظام السابق، ولا في صفوفه المتقدمة، بل كانوا خدّامه واتباعه، من انتهازيي الإدارات، وكتبة الأجهزة، ووسطاء الصفقات. لم يكونوا أصحاب مشروع، بل أصحاب مصلحة، وظلّوا أوفياء لهذه المصلحة وحدها.

حين سقط نظام سبتمبر، لم تدمع لهم عين، فقد كانوا فيه أتباعًا لا سادة، مفعولًا بهم لا فاعلين. وحين انطلقت فبراير، لم يُصدّقوا حلمها، ولم يؤمنوا بمبادئها، بل وجدوا فيها ثغرات يتسلّلون منها، حتى تسلقوا جدران السلطة، لا بوصفهم رجال وطن، بل رجال مرحلة؛ “مرحلة اللا مشروع”.

فبراير، بكل ما حملته من أمل، شُغلت عن بناء الدولة بتنافس النخب وحروب التشكيلات المسلحة وصراعات الشرعيات، ومحاولة تسلل الإرهاب، فتركت المساحات شاغرة. وكانت هذه الطبقة بالمرصاد: التقطت أدوات الدولة، وتسللت إلى مؤسساتها، وتربعت على مواردها، ثم بدأت تفرغها من أي محتوى وطني.

هؤلاء لا يُحزنهم فشل فبراير، بل يُسعدهم كل ارتباك يُصيبها. ولا يأسفون على سقوط نظام سبتمبر، فهم فيه لم يكونوا قادة، بل موظفين عند القادة. ولأنهم لا يملكون ماضيًا يدافعون عنه، ولا حاضرًا يؤمنون به، فهم يمضون في نهب الوطن دون وجل، ويديرون الخراب ببرود قاتل.

الفساد، في ليبيا اليوم، لم يعد مجرد استثناء، بل أصبح نظامًا. والفوضى لم تعد عرضًا، بل تحوّلت إلى بنية. والمؤسسات تُدار بمنطق الغنيمة، لا بمنطق المسؤولية. كل ذلك لأن الحكم اليوم في يد طبقة لم تكن يوماً مؤهّلة للقيادة، بل مجرّد ورثة صدفة لحالة انكشاف وطني.

ليبيا الآن عالقة بين أنقاض سبتمبر وخيبات فبراير، ولن تنهض إلا إذا وُلد مشروع جديد، لا يتحكم فيه من لا يحمل رؤية ولا يتحمّل تبعات.

ما رأيك ؟

0 نقاط
Upvote Downvote

كُتب بواسطة سلسبيل الرايد

عقيلة يتسلم التقرير السنوي لديوان المحاسبة بالمنطقة الشرقية لعام 2024

سويكر: يتعرض النواب لضغط مباشر لتعطيل الاتفاقية البحرية مع تركيا