Menu
in

في عين العاصفة

من المعلوم من الواقع بالضرورة عندما يبحر الربان من مرافئ الشطآن الهادئة، لا يغيب عن حساباته أن خوض عباب البحر سيمر بالعواصف والأعاصير، فهو مدرك تماما أن هدوء الشطآن ليس هو الطبع الجاري وسط لجة البحار، فلا يغتر بلحظات الهدوء التي بإمكانها أن تنقلب رأسا على عقب بمجرد تلبد الغيوم وإحاطتها بدفة السفين إحاطة السوار بالمعصم، ولكن شيئا من ذلك لا يمكنه أن يثنى عزماته عن تكرار الإبحار، ولا أن يشغل تفكيره عن مهامه الأساسية، في سلسلة من إجراءات الأمان يعيها تماما، وعلى رأسها ( أنزلوا الأشرعة ❗).

من أجل ذلك كله جاء بيان محمد صوان متسقا تماما مع ما ينبغي فعله عندما يرى الربان السفينة وقد صارت في وسط لجة عين العاصفة، مخاطبا كل ذي عقل من أبناء المجتمع، أنزلوا الأشرعة❗؛ أي حكّموا العقل وتوقفوا عن التمادي في غرور الظن أن الحرب يمكن أن تحقق مكسبا لأي طرف❗.

والحقيقة ليست هذه ببدعة من الدعوات، ولا بالمستغرب من القول عند ذوي الحجا، بل وعبر قراءة عميقة في تاريخ الهيئة الاجتماعية الليبية، لا شك البتة سيوقفنا على ألف دليل ودليل على عبث الزعامات الليبية التاريخية، المشهورة بالأنانية، والمهووسة بحب العلو والتسلط بأي ثمن كان، وكيف ورطوا أبناء المجتمع في احتراب عبثي لم يبني مجدا، ولم يضمن خلودا لسلطان، بل سودت صفحات تاريخهم بعار ما بعده عار، وسجلت مواقف مخزية لكل من شارك في حروبهم وما جلبته من هرج ومرج، حتى قتل الإنسان وهو لا يعرف حجة فيما قتل، ودفن كل أولئك الزعماء بعارهم وشنار وإثم ما اجترحوه في حق الهيئة الاجتماعية الليبية، وما ورثوه للأجيال من إحن وبغضاء وكراهية، وبتنا نلهج بلعنهم وما تسببوا فيه من احتراب بين أيناء المجتمع الليبي، لا لشيء إلا “زخرف القول غرورا”.

اليوم تزج حكومات العوائل في الغرب والشرق على السواء❗أبناء الهيئة الاجتماعية الليبية في حروب الفجار، يقتل فيها الشباب والنساء والأطفال والشيوخ الأبرياء، وتخرب فيها المؤسسات، وتنهب البيوت والمحلات، وتهدر المقدرات، فينقلب كل ذلك لعنة عليهم وعلى عوائلهم إلى ولد الولد.

وعندما يبرز العقلاء من أبناء المجتمع ليصدحوا بالدعوة إلى تحكيم العقل، فهم تماما مثل الربان الخبير وسط العاصفة يطلب من البحارة أن يُنزلوا الأشرعة كي لا تتحطم السفين وسط العاصفة الهوجاء، ولا تغطس إلى قاع محيط فتنة فساد سياسات حكم العوائل، وحرصهم المأزوم على توريط أبناء المجتمع في اقتتال لا ناقة لهم فيه ولا جبل بل جمل❗.

لقد أدت فتاوى الدم والحرب بين الأشقاء، والتي لطالما أطلقها علماء السوء من محفل الأفغان الليبيين وعلى رأسهم الملا الغرياني وابنه نافخ الكير، الذي ما انفك يروج لكل شاذ من الفتوى، ويفتري على البُرآء الكذب، ويصفهم بما ليس فيهم، فلم تعد شرائع الإسلام تكفي لزجره ولا ردعه عن التمادي في عبادة الهوى مصداقا لقوله تعالى”أفرأيت من اتخذ إلهه هواه، وأضله الله على علم، وختم على سمعه وقلبه، وجعل على بصره غشاوة، فمن يهديه من بعد الله،، أفلا تذكرون” ❗، فمن بداية محاولات إنزال الأشرعة وسط عاصفة الاقتتال الأولى، حين تنادَى العقلاء من أبناء المجتمع إلى القاعدة الربانية المطردة “والصلح خير، وأحضرت الأنفس الشح”، فسارع الملا الغرياني وزمرته ورفع عقيرته باصدار فتاويه الشاذة بالتكفير والتفسيق والتخوين لكل من وقعوا بالأحرف الأولى على إجراءات مواجهة العاصفة في اتفاق الصخيرات.
ومن يومها ما ترك هو وابنه نافخ الكير وزمرة الأفغان الليبيين معه مناسبة إلا ووظفوها في تأجيج نار الكراهية والحرب بين أبناء المجتمع الليبي، بفتاوى شاذة، بل مغرقة في الشذوذ الاجتماعي والشرعي كلاهما.

من أجل ذلك يقع على عاتق العقلاء، ومن بينهم محمد صوان، دفع ضريبة ضخمة وسط عين العاصفة، ومواجهة عالم من التفاهة والتافهين، والتيارات الدينية الفاسدة والمؤججة لخطاب الكراهية بين أبناء المجتمع، والمهدّدة لطمأنينة الهيئة الاجتماعية، فواجب من يقوم بدور صمام الأمان كـ “أولو بقية ينهون عن الفساد”، والقيام بوظيفتهم الحيوية لتأمين بقاء واستمرار وطمأنينة الهيئة الاجتماعية الليبية، تصديقا لقوله عز وجل “فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض، إلا قليلا ممن أنجينا منهم، واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه، وكانوا مجرمين”❗، والتحذير من سريان السنن الربانية الكونية المطردة في فساد الدول “وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون”، وكذلك مغالبة تأمر الفاسدين “وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول، فدمرناها تدميرا”❗، ومواجهة الأربعة الذين تسببوا في قدوم حكم عائلة الدبيبات في جنيف وكانت أصواتهم حاسمة في مجيء عائلة الدبيبة للحكم، وهم
1- إبراهيم صهد
2- فوزي العقاب
3-عبدالرحمن السويحلي
4- موسى فرج
بالاضافة إلى شلة المرتشين الفاسدة التي تلقت أموالا لخيانة أمانة مشاركتهم في محادثات جنيف، وكانوا مستأمنين❗،فخانوا الأمانة ورخصت ذممهم، وابتذلوا إنسانيتهم بل ووطنيتهم مقابل لُعاعة من المال الفاسد، فباعوا شرفهم بدراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين، فلا يعول عليهم في خير لا لأنفسهم ولا لغيرهم، عليهم لعنة الله وملائكته ورسله والناس أجمعين إلى يوم الدين.

أما إغنيوة الككلي الذي أسرف في دماء أبناء المجتمع، فمن لا يعلم أنه يصدق عليه قوله تعالى “كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية، ناصية كاذبة خاطئة، فليدع نادية، سندع الزبانية” فتجرع الكأس التي لطالما سقى منها الأبرياء، فصار قتيلا لا يعرف قاتله “جزاء وفاقا”، وهذا يسري على كل المليشيات سواء المؤيده له أو المحاربة له، ولعل في مقتل الهالك إغنيوة مُستعتَب وموعظة لكل العسكر في الشرق و الغرب سواء، والتكبير في هذا الاحتراب بين أبناء المجتمع الواحد هو عين الاستهزاء بذات الله، بذكر اسمه في مواطن يبغض أن يذكر فيها اسمه، لأنها مواطن اقتتال الهرج والمرج مما لا تبيحه شريعته.

من أجل ذلك جاءت دعوات العقلاء ومنهم محمد صوان في بيانه للجميع أن تعالوا إلى كلمة سواء بيننا، فنحن مجتمع واحد، ومهما شجر بيننا من شيء فيبقى الواجب والمسؤولية في عنق كل واحد منا أن يرعوي وأن يؤوب إلى كلمة العقل، وكما يقال بالدارجة “واطوا الربو، وحطوا الذاري عالتبن”.

ملاحظة بيانية: ❕
أسلوب التعميم “ما بال أقوام” دون ذكر أسمائهم، لئن كان كافيا بين ظَهرانَي من ينتبه بمجرد التلميح، لا يجدى نفعا ولم يعُد يخدم مهمة الخطاب المجتمعي اليوم، حيث الحاجة إلى تحميل كل شخص مسؤولية كلمته كاملة، وموقفه كاملا، ليهلك من هلك عن بينة؛ ويحيى من حيي عن بينة

كُتب بواسطة سالم محمد

Exit mobile version