in

المخرج من المأزق؟

يتعاطى العديد من الخبراء والمهتمين بالشأن الاقتصادي وبالأخص أصحاب الرأي الراسخ مسألة سبل الخروج من المأزق الذي أصبح يعيشه الاقتصاد الليبي، بعد وضوح فداحة الإنفاق المنفلت من قبل الحكومتين  في ظل محدودية الإيرادات وتقلص جزء منها بشكل غير واضح وتراكم الدين العام دون مراعاة لانعكاساته الخطيرة وتوسع عرض النقود وتزايد التضخم.

مصرف ليبيا المركزي يبدو أنه يحاول الآن استخدام ما هو متاح ليرسل على الأقل إشارات إيجابية للسوق المضطرب عبر وعوده برفع الضريبة المفروضة على سعر الصرف التي فرضت من جهة أخرى، إذا تحققت مطالب لم يفصح عنها ووعد أنه سوف يقدمها في شكل خطة، الواقع أنه يوجه حديثه للحكومتين حتما لكن ذلك الأمر يحتاج أن يكون أكثر شفافية وعلنية كما فعل مع بيانه الذي كشف فيه عن الإنفاق الحكومي من الطرفين والدين العام المتزايد بسبب ذلك الإنفاق.

المصرف المركزي اتجه إلى تعديل الاحتياطي القانوني للمصارف لتقليص الفائض لدى المصارف للتأثير في عرض النقود، أو أنه يحاول أن يحد من قدرة المصارف على تمويل الإنفاق شبه الحكومي في تقديري أو بشكل أوضح يقلص من التوسع في التمويل المصرفي برغم أن النظام المصرفي المعتمد على الصيرفة بأدوات إسلامية يقوم على الاستثمار مما يتطلب تمويلا مستمرّا للأنشطة.

ويحاول أيضا عبر منشوره اتباع سياسة انكماشية بتقليص المعروض من العملة الأجنبية في حصة الأفراد وفقا للبيانات عن حجم الاستخدام السابق، مما قد لا يسمح بتقليص هام بأسعار الصرف بالسوق الموازي، وفي المقابل ستكون هناك صعوبة في تقليص المعروض أمام الاعتمادات المستندية لغرض الاستيراد بسبب عدم وجود سياسة تجارية واضحة بخصوص التعاطي مع الاستيراد واحتياجات السوق المحلي وضبط عمليات إعادة التصدير والتهريب المنظم.

كما أن المصرف المركزي يترك أدوات اكثر فعالية في إدارة عرض النقود، مثل شهادات إيداع تحمل معدلات فائدة مناسبة، خصوصا أن القانون أعطى فرصة لاستخدامها بعد التعديل على قانون منع التعامل بالفائدة مطلقًا للسماح للصيرفة التقليدية بالعمل مع الصيرفة الإسلامية، وهذا الوقت المناسب لها أكثر من أي وقت مضي، فهذه قد تساعد المصارف وتسيطر على عرض النقود بشكل أفضل من رفع نسبة الاحتياطي القانوني.

الواقع أن المصرف يركز على التكتيك في مساحة مناورة نقدية محدودة ولم يعمل على خلق مناخ مناسب منذ مدة طويلة لتعمل فيه هذه الأدوات بشكل مناسب وفعال في إدارة عرض النقود وإدارة معدل التضخم بالاقتصاد، وعلى المركزي في ظل هذا الوضع أن يركز أكثر على تبني إطار للحد من الانفلات بالإنفاق الحكومي المباشر والحد بشكل عام من الإنفاق بالعجز بشكل خاص في هذه الظروف.

المطالبات بتوحيد الميزانية العامة، هو مطلب أساسي ولكنه في ظل الانقسام يصبح غير واقعي، وقد فشلت محاولات اعتماد ترتيبات مالية واحدة عبر المجلس الرئاسي، وفشلت محاولة الحوار الاقتصادي برعاية أمريكية بتونس في أن يقوم المصرف المركزي بهذا الدور، وفشلت بعثة الأمم المتحدة في أن تقدم إطارا مناسبا يعالج هذه العقدة الجوهرية.

لا أعتقد الآن أن البرلمان ومجلس الدولة سيكونان قادرين على التوافق على ميزانية عامة واحدة تنفق منها الحكومتان دون الاستمرار في الإفراط في ترتيبات دين عام جديدة واستمرار حالة الانفاق المفرط، فقد يكون الدافع للتوحيد هو مجرد تأطير لعملية تمويل بتراكم جديد ومتفاقم للدين العام ونذهب إلى إعادة تخفيض جديد بقيمة الدينار الليبي بنهاية عام 2025 مع استمرار حالة انعدم الشفافية في إيرادت النفط والغاز وتطويرها محليا وإنفاق يتسم بالرفاهية في كافة جوانبه دون وجود مشروع واقعي لتقليص الهدر بالانفاق الحكومي المنفلت في كافة أوجهه.

إذًا نحن في حاجة إلى حكومة واحدة أولا قبل كل شيء للخروج من المأزق تقوم بإطلاق مشروع واضح لإدارة الاقتصاد بتناسق وفقا لمستهدفات محددة بالتنسيق مع المصرف المركزي، وإذا لم يتحقق ذلك قريبا فنحن في حاجة إلى إلزام الأطراف عبر آلية تشرف عليها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وفقا للاتفاق السياسي، بإيقاف الإنفاق على كافة الارتباطات الجديدة من قبل الطرفين في بند التنمية، وفرض معالجات ضرورية في باب الدعم تمهيدا لمعالجة شاملة اقتصادية لاحقا من قبل حكومة واحدة.

كُتب بواسطة سلسبيل الرايد

تحذيرات من أزمة صحية بمركز غسيل الكلى بسبب تأخر توريد المشغلات

جدل الإيرادات وأزمة الدينار يعيد شركة “أركنو” إلى الواجهة