نظرا لشيوع الجهل بالتركيبة السياسية في تركيا، والسطحية الشديدة التي ينظر بها كثير من النشطاء والصحفيين والمعارضين المصريين والعرب إلى الحالة السياسية في تركيا، بما يصل بهم إلى مقارنتها مع ديكتاتوريات عسكرية تصادر فكرة السياسة من جذرها، وجدت أنه ربما من المفيد أن أسجل لهم بعض المعلومات الأساسية ـ باختصار ـ عما يصفونه ب”الديكتاتورية” الاردوغانية .
· في البرلمان التركي 600 مقعدا، في الانتخابات الأخيرة 2023، فاز حزب العدالة والتنمية الحاكم ب 268 مقعدا (44%) والباقي لأحزاب المعارضة، وعلى رأسهم حزب الشعب الجمهوري، حزب أكرم إمام أوغلو، وفاز ب 169 مقعدا (28%)، باستثناء حزب الحركة القومية المتحالف مع حزب العدالة وفاز ب 50 مقعدا.
· في انتخابات الرئاسة الأخيرة 2023، عجز الرئيس اردوغان عن تحقيق الفوز في الجولة الأولى، فلم يصل لعتبة 50%+1 ، وهو رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والرئيس الأعلى للشرطة والجيش والمخابرات، واضطر لخوض جولة إعادة مع منافسه مرشح حزب الشعب الجمهوري وفاز فيها بصعوبة بنسبة 52.18%، وكان الفرز يتم على الهواء مباشرة لحظة بلحظة، وبحضور مندوبي المرشحين والمراقبين، وظلت النتيجة متأرجحة ولا يعلم أحد من يفوز حتى آخر ساعتين تقريبا.
· عدد أعضاء الحزب الحاكم 11 مليون مواطن تركي، وعدد أعضاء حزب الشعب الجمهوري 4 مليون مواطن تقريبا.
· أصغر حزب سياسي في تركيا يقدر أعضاؤه بمئات الآلاف وليس بعشرات الآلاف.
· تمتلك أحزاب المعارضة الحرية التامة في عقد مؤتمراتها الجماهيرية وفعالياتها المختلفة واحتفالياتها سواء أيام الانتخابات أو غيرها، بعض تلك المؤتمرات يحضرها مئات الألوف من أنصارها.
· تمتلك الأحزاب المعارضة الكبيرة صحفا خاصة بها وقنوات تليفزيونية خاصة بها، وهي تنتقد وتوبخ رئيس الجمهورية وحزبه يوميا وبما يصل لاتهامه في ذمته المالية هو وأسرته، علنا، وأحيانا تهديده بالتصفية على شاشات التليفزيون، ولا يملك اردوغان سوى أن يقدم شكوى للقضاء تنتهي عادة بتعويض مالي رمزي، إذا حكم لصالحه، وعشرات المرات يحكم القضاء ضد الرئيس.
· تمتلك أحزاب المعارضة الحرية التامة في التواصل مع الأحزاب في الدول الأخرى أو الحكومات الأجنبية حتى لو معادية للدولة التركية، وترسل وفودا برلمانية أو شعبية رسمية إلى الخارج رغم أنف الحكومة والرئيس والحزب الحاكم.
· يخصص قانون الأحزاب لكل حزب مبلغا ماليا من الخزانة العامة للدولة تقدر قيمته بعدد المقاعد التي حصل عليها في البرلمان، في العام الماضي الحزب الحاكم حصل على حوالي مليار وخمسمائة مليون ليرة، وحزب الشعب الجمهوري المعارض على حوال 750 مليون ليرة .
· تأسيس الأحزاب في تركيا بمجرد الإخطار
· أحزاب المعارضة هزمت الحزب الحاكم هزيمة ساحقة في انتخابات البلديات الأخيرة، وتصدرت سباق الانتخابات في غالبية المدن التركية الرئيسية، وهزمت الحزب الحاكم في عقر داره.
· مرشح المعارضة الأقوى لانتخابات الرئاسة المقبلة هو منصور ياواش رئيس بلدية العاصمة أنقره، وهو المرجح خوضه الانتخابات الرئاسية ضد مرشح الحزب الحاكم مستقبلا، سواء كان المرشح اردوغان أو غيره من قيادات الحزب.
· جميع استطلاعات الرأي عن مرشح المعارضة الأوفر حظا للرئاسة وضعت أكرم إمام أوغلو في المرتبة الثالثة بعد منصور ياواش ـ بفارق كبير ـ ورئيس الحزب أوزغور أوزيل، والقول بأن أكرم هو الأقوى محض أكاذيب ودوغما لتسويقه خارجيا، ومع ذلك يحاول رئيس الحزب الدفع بأكرم مرشحا وحيدا عن الحزب لأنه حليفه الأقوى داخل الحزب، وفي هذه الحالة من المرجح أن يترشح منصور مستقلا.
· أكرم إمام أوغلو ليس مجرد معارض وإنما هو حاكم لولاية إسطنبول، وتحت يده ميزانية مستقلة ضخمة تقدر بقرابة 10 مليارات من الدولارات سنويا (350 مليار ليرة تركية تقريبا)، هو الآمر الناهي فيها، ينشيء ما يشاء من مشاريع، ويستورد ما يشاء من منتجات، بل ويقترض من دول أجنبية، ويختار ما يشاء من مستشارين ويصدر قرارات توظيف لأكثر من 30 ألف شخص أو يفصلهم ولا يمكن للحكومة أن تتدخل في أعماله، فهو ليس مجرد ناشط سياسي أو مجرد معارض أو مرشح محتمل، بل هو سلطة من سلطات الدولة.
· أكرم ليس الوحيد الذي فاز على مرشح الحزب الحاكم في انتخابات البلدية أكثر من مرة، منصور ياواش فعلها أيضا في العاصمة، وهناك عشرات آخرون فعلوها في بلديات الولايات المختلفة، فمسألة تركيز هذه المعلومة حصريا في أكرم نوع من التضليل الإعلامي لتضخيم مكانته.
• أكرم ليس الوحيد من رؤساء البلديات الذين تم اعتقالهم أو عزلهم بتهم الفساد، ولا هو أولهم، فهناك العديد من رؤساء البلديات تمت إقالتهم واعتقالهم وتقديمهم للمحاكمة على ضوء التحقيقات المستمرة في مكتب المدعي العام منذ عدة أشهر، وسلسلة الاعترافات ـ من أعضاء حزب أكرم نفسه ـ في بلديات اسطنبول الفرعية قادت الادعاء العام إلى أكرم في نهاية المطاف حيث كشفت التحقيقات أنه يقود ما يشبه منظمة إجرامية حسب تعبير الادعاء للتربح والرشوة والفساد وإهدار المال العام.
· الشكاوى التي وصلت للمدعي العام عن فساد أكرم إمام أوغلو كانت من قيادات حزبه وليس من حزب اردوغان، حيث يشهد الحزب المعارض صراعات داخلية على النفوذ والمال، خاصة بعد أن أصبح تحت يديه عشرات المليارات من الدولارات من المال العام يتصرف فيها.
· جميع الاتهامات بالفساد والرشوة وإهدار المال العام الموجهة لأكرم والمعلنة بتفاصيلها لم يتم نفيها من أي جهة، لم يثبت أي شخص أو جهة أنها كيدية أو غير صحيحة، فقط يتم التلويح بأن القضية سياسية وليست جنائية، وهناك قيادات من الحزب وصحفيون من الحزب اعترفوا علنا بأن الاتهامات صحيحة، والفيديوهات موجودة .
· قضية تزوير شهادته الجامعية أتت الشكوى فيها أساسا من صحفي معارض كان من مؤيدي حزب أكرم، والتحقيقات المطولة التي انتهت بتأكيد تزوير الشهادة قام بها المجلس الأعلى للجامعات، وثبت تزوير قرابة 100 شهادة جامعية أخرى جميعهم لأولاد عائلات ثرية، وتم إلغاؤهم جميعا.
· الانتخابات الرئاسية المقبلة في تركيا ليست الشهر المقبل ولا حتى العام المقبل، وإنما في العام 2028، أي بعد أكثر من ثلاث سنوات، إلا إذا تم الاتفاق على انتخابات مبكرة.
· إذا كان الهدف هو إقصاء أكرم إمام أوغلو من أي سباق للترشح الرئاسي فقد كان يكفي تماما إبطال شهادته الجامعية، ولا حاجة لاعتقاله بتهم جنائية، لأنه يستحيل أن يتمكن من الترشح بعد فقدانه لشرط أساس هو أن يكون المرشح حاصلا على شهادة جامعية.
· أكرم عليه حكم قضائي بالسجن عامين بتهمة سب هيئة قضائية رغم أن الهيئة القضائية التي سبها هي التي أعلنت فوزه بالانتخابات، وتلك القضية في مرحلة الاستئناف حاليا.
هذا ملخص للتركيبة السياسية الحزبية في تركيا، وهي كما ترى، شبيهة تماما بما هو الحال في مصر، كما يرى جهابذة “الهبد” في مواقع التواصل الاجتماعي أو منصات إعلامية مختلفة، من نشطاء وحقوقيين وصحفيين وأدباء، كما لا يخفى عليك أنها تؤكد مذهبهم “العقلاني المنصف” في أن تركيا دولة ديكتاتورية، وأن “الخليفة” اردوغان ـ حسب تعبيرهم الشعبوي الرخيص ـ هو النسخة التركية من السيسي!.