مرة أخرى يعود الجدل حول دقة الأرقام التي تعلنها المؤسسة الوطنية للنفط عن حجم الإنتاج، بعد أن تداولت أوساط إعلامية بيانات حديثة نشرتها منظمة أوبك للدول المصدرة النفط، تظهر حجم الإنتاج الليبي أقل بنحو 200 ألف برميل عن الأرقام المعلنة من مؤسسة النفط، وشكلت بيانات أوبك مادة للمشككين في دقة ما تصرح به مؤسسة النفط وتنشره دوريا على حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تؤكد منذ أسابيع أن انتاج النفط الخام تجاوز 1.4 مليون برميل يوميا، ما يعكس حسب مسؤوليها، نجاح مشروعها الرامي إلى رفع الإنتاج فوق عتبة 2 مليون برميل في المستقبل القريب، كما سبق ان التزمت عدة مرات سابقا.
وأبدت مؤسسة النفط امتعاضا شديدا مما أسمته ” اللغط الذي قاد للأسف لموجة تشكيك ضد المؤسسة”.
وأكدت في بيانها الجديد، أن ما جرى تداوله من معدلات إنتاج ليبيا من النفط هو “بيانات ومعلومات غير دقيقة، استندت للأسف، إلى مصادر غير موثوقة” وأنها “الجهة الرسمية المخولة بمراقبة ومتابعة إنتاج النفط الليبي، وهي الوحيدة القادرة على إعلان أو نشر الأرقام الصحيحة”.
• “أرقام أوبك غير موثوقة”
وراح البيان يفصل وجهة نظر المؤسسة لتقول إن “معدلات الإنتاج اليومي لا يجب بالضرورة أن تتوافق مع متوسط الأرقام الشهرية أو السنوية التي أوردتها أوبك” معطية مثالا بأرقام عام 2024 حيث “انخفض المتوسط السنوي إلى 1,138,000 برميل يومياً بسبب إعلان القوة القاهرة، بينما وصل الإنتاج اليومي في يوم 31 ديسمبر إلى 1,416,000 برميل يومياً”.
لكن رد مؤسسة النفط الذي اختزل المشكلة في الفارق بين الإنتاج اليومي والسنوي، تجاهل أسئلة كبرى أخرى تطرح منذ شهور طويلة، من مؤسسات رسمية داخل وخارج ليبيا، وتثير كلها الغموض والتضارب الذي يكتنف حلقة الإنتاج والبيع والتوزيع التي أعطاها القانون حق احتكارها.
• هل التشكيك مبرر ؟
والواقع أن المشككين في بيانات مؤسسة النفط لم يبنوا موقفهم فقط على أرقام أوبك، بل ربطوه أيضا بالتضارب الكبير في بيانات نفطية أخرى، آخرها التناقض بين الاحتياجات الفعلية وحجم استهلاك وتوزيع المحروقات والوقود من شركات عامة، بعضها يتبع مؤسسة النفط، التي تورد الوقود إلى ليبيا ضمن نظام مقايضته بالنفط الخام المصدر إلى شركات وزبائن أجانب، حسب ما تضمنه تقرير ديوان المحاسبة سابقا، وأكده فريق خبراء الأمم المتحدة مؤخرا.
وهو ما يجعل البعض مترددا من التسليم بكلام مؤسسة النفط عندما قالت إن ما تنشره من ” معلومات وبيانات صحيحة وحقيقية وموثوقة، ولا غبار عليها ولا يحق لأيٍّ كان التشكيك فيها أو في بعض منها”.
• مصدر الخام المهرب:
ودأبت تقارير فريق الخبراء الأمميين أيضا على الإشارة إلى أن التهريب يشمل أيضا النفط الخام، ونشروا بيانات لعشرات الناقلات التي رست خلال السنوات الأخيرة في موان نفطية عدة تتبع مؤسسة النفط، وحملت نفطا خاما يباع خارج المسار الرسمي لدول وشركات أجنبية في غرب أوروبا، وفي آسيا، منها الهند والصين ودول أخرى.
ولم يسبق لمؤسسة النفط أن حددت بدقة الحقول التي خرج منها الخام المهرب، ولا حجمه، وهو أمر يناقض تأكيد مؤسسة النفط في بيانها الأخير.
• المصرف المركزي يتساءل
وجاءت البيانات الشهرية للإيرادات والإنفاق التي ينشرها مصرف ليبيا المركزي، لتفتح بابا آخر للتشكيك، حيث أظهرت انخفاضا شديدا في حجم إيرادات مبيعات النفط بالعملة الصعبة المحولة من مؤسسة النفط إلى المصرف المركزي، خلال عام واحد فقط، بالرغم أن أرقام مؤسسة النفط تظهر أن حجم الانخفاض في الإنتاج بين سنتي 2024 و2023 لم يتجاوز 5 بالمائة، بسبب حالة القوة القاهرة وموجة الإغلاقات المتكررة.
وتابع الجميع حملة التراشق وتبادل الاتهامات بين مؤسسة النفط وكل من المصرف المركزي ووزارة المالية، بسبب هذا الملف، عندما حصل العجز عن دفع مرتبات العاملين في مؤسسات الدولة، واضطرت الحكومة لأخذ قرض من المصرف المركزي.
• 60 مليار دينار غير كافية
ويرتبط اللغط حول حجم انتاج النفط بالمطلب المتكرر لمؤسسة النفط لتحصل على ميزانيات استثنائية “لتمويل خطته رفع الإنتاج” ، بالرغم من أنها عجزت حتى الآن، حسب المتابعين، عن الرد على تقارير عدة نشرها ديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الإدارية، تشير بوضوح إلى “هدر وغموض” وأحيانا “شبهة فساد” و”غياب خطط واضحة بالأهداف والمشاريع التفصيلية” في صرف ما حصلت عليه من تمويل استثنائي حتى الآن، والذي لامس 60 مليار دينار، فقط خلال السنوات الثلاث الأخيرة، خصص أغلبه لأعمال الصيانة والاستثمار في خطة الإنتاج، وجزء آخر رصدته لتحسين مرتبات العمال ورفع كفاءتهم، وهو رقم كبير يضاهي حجم مرتبات موظفي القطاع العام لعام كامل، لكن مؤسسة النفط تراه غير كاف وتطلب المزيد.