in

ليبيا في قبضة الفساد: من المسؤول عن تفشي السرطان الذي يلتهم الدولة؟ و أين الحل؟

تُعاني ليبيا من أزمة فساد عميقة تتفشى في مفاصل أجهزة الدولة، ما يُفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في بلد يعتمد على النفط كمصدر رئيسي للدخل.

وفي وقت وثّقت فيه التقارير الرقابية المحلية خلال السنوات الأخيرة حالات فساد بملايين الدولارات داخل قطاعات الدولة الليبية، جاء الترتيب العالمي لمؤشر الفساد ليضع ليبيا ضمن أكثر 10 دول فسادًا في العالم، ليبقى التساؤل ملحًّا: كيف يمكن وقف سرطان الفساد المستشري في البلاد قبل أن يترك عواقب لا تُحمد عقباها؟

ضمن أكثر 10 دول فسادًا عالميًا

وضعت منظمة الشفافية الدولية ليبيا في المرتبة الـ173 من أصل 180 دولة في الترتيب العالمي لمؤشر الفساد لعام 2024، مسجلة ارتفاعًا بثلاثة مراكز في المؤشر مقارنة بالعام 2023، الذي حلّت فيه في المركز 170.

ويصنف المؤشر 180 دولة حول العالم بناءً على مستويات الفساد في القطاع العام وفقًا لمؤشرات عدة، بينها الشفافية والمساءلة وإنفاذ القانون وحرية الصحافة واستقلال القضاء، عبر منح كل دولة درجة من 0 إلى 100.

الحكم العائلي والميليشياوي

وقالت كتلة التوافق الوطني بالمجلس الأعلى للدولة إن تصنيف ليبيا ضمن أكثر الدول فسادًا في العالم هو نتيجة حتمية للحكم العائلي والعسكري والميليشياوي، ولعمليات السطو المسلح والتغول على مؤسسات الدولة، وفرض سلطة الأمر الواقع على مقدرات الليبيين وثرواتهم، إضافة إلى ترهيب الأصوات المعارضة أو إسكاتها بالسلاح أو المال الفاسد.

وأضافت الكتلة في بيان لها أن هذا التصنيف وما سبقه من تقارير دولية يدق ناقوس الخطر بشأن تفشي الفساد في ليبيا، وآخرها تقرير لجنة الخبراء الأممية، مما لا يدع مجالًا للشك في أن ليبيا دولةً وشعبًا وثروات باتت تحت سيطرة الفاسدين.

مليونير جديد

و يرى الكاتب الصحفي موسى تيهوساي أن الفساد غير المسبوق الذي تشهده ليبيا هو نتيجة طبيعية لقلة الرشد في التعامل مع المال العام لدى الحكومات، خصوصًا الحالية.

وأوضح تيهوساي في تصريح لـ”الرائد” أن المسافة بين طبقات المجتمع باتت تتباعد بسبب التفاوت الحاد في مستويات المعيشة، إذ يولد كل يوم مليونير فاحش الثراء من مال خزينة الدولة، في مقابل تراجع حالة آلاف المواطنين الذين يعجزون عن توفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية.

فساد غير مسبوق

وبالتزامن مع نشر تقرير الفساد العالمي، كشفت النيابة العامة عن واحدة من أكبر قضايا الفساد المالي بعد أمرها بحبس رئيس لجنة إدارة شركة الواحة للنفط احتياطيًا، بتهمة تعمُّده إبرام عقد بلغت قيمته 769 مليونًا و991 ألف دينار، لغرض إنشاء حواجز مخفِّفة لحركة أمواج البحر قُبالة ميناء السدرة النفطي، في حين أن عرض إحدى أدوات التنفيذ لا يتجاوز 339 مليونًا.

وقالت النيابة العامة إن المدير خالف التشريعات الناظمة بإسناده أعمال تأهيل حقل الظهرة النفطي إلى أداة تنفيذ أُسست سنة 2022، وصرفه لها 140 مليون دولار خلال سنتيْ 2023 و2024، رغم افتقارها إلى الخبرة التي تتطلبها الأعمال المُسند تنفيذها إليها، مما حقق منافع غير مشروعة لنفسه ولغيره.

فساد ممنهج

من جانبه، قال الخبير الاقتصادي عبد الحميد الفضيل إن ليبيا حافظت منذ عام 2009 تقريبًا على ترتيبها ضمن الدول العشر الأكثر فسادًا.

وأضاف الفضيل في تصريح لتلفزيون “المسار” أن 85% من المعاملات في مؤسسات الدولة، سواء في الدوائر الأولى أو داخل المؤسسات الحكومية بالدوائر الثالثة والرابعة، لا تخلو من شبهات فساد مالي وإداري، لكونه بات ممنهجًا.

أين الرقابة والقانون؟

ولم يقتصر الحديث عن الفساد المستشري في مؤسسات الدولة على المؤسسات الدولية والإقليمية، بل أقرت به المؤسسات الليبية واحدة تلو الأخرى. فقد أكد النائب العام الصديق الصور في ديسمبر الماضي أن استشراء الفساد تسبب في هوة سحيقة في توزيع الدخل بين أبناء الشعب الليبي، داعيًا الجهات المختصة إلى العمل على ضرورة تطوير أنظمة العدالة ووضع سياسة جنائية لمواجهة الفساد المستشري في القطاعات العامة.

من جانبه، سلط تقرير ديوان المحاسبة الليبي لعام 2023، الصادر في 29 نوفمبر العام الماضي، الضوء على وقائع فساد وتجاوزات مالية متعددة، شملت الإنفاق ببذخ على شراء سيارات فارهة للمسؤولين، واستئجار طائرات خاصة.

وكشف التقرير، على سبيل المثال، عن بلوغ رواتب قطاع السفارات والقنصليات والبعثات 1.5 مليار دينار، كما أظهر تخصيص قرابة 50 مليون دينار لبند سيارات، وقرابة نصف مليار دينار للتدريب ضمن نفقات المؤسسة الوطنية للنفط.

وضمن صفحاته العديدة، رصد التقرير صرف بدل سكن لموظفي ديوان مجلس الوزراء ما مجموعه 847 ألف دينار، وسداد الحكومة مبلغ 316 ألف دينار مقابل حجوزات فندقية لفترات طويلة لأشخاص، دون توضيح صفاتهم أو تبعيتهم، إلى جانب صرف 717 ألف دينار لشركة تموينية مقابل خدمات إعاشة استمرت بالوتيرة نفسها حتى في شهر رمضان.

وفي ذات السياق، كشفت هيئة الرقابة الإدارية في 6 أكتوبر 2024، ضمن تقريرها السنوي الـ53، عن عدة مخالفات، منها عدم وضع حل للتوظيف العشوائي، إذ بلغ عدد الموظفين مليوني موظف، فيما بلغت قيمة المرتبات أكثر من 60 مليار دينار.

وبين التقرير أن عدد القضايا المسجلة والمتصرف فيها بالتحقيق وعدد المتهمين فيها وصل إلى 190 قضية أحيلت إلى غرفة الاتهام، بينما أحيلت 193 قضية أخرى إلى المحاكم الجزئية، وأحيل للمجالس التأديبية للمخالفات المالية 198 متهمًا، ولمجلس التأديب الأعلى 70 متهمًا، وتم معالجة 5 قضايا إداريًا.

ليبيا على رأس القائمة الأفريقية

من جانبها، وضع موقع “بيزنس إنسايدر أفريكا” في 16 أبريل 2024 ليبيا على رأس قائمة الدول الأفريقية الأكثر فسادًا، مشيرًا إلى أن سوء الإدارة تسبب في إعاقة التقدم الاقتصادي في البلاد.

وفي ظل استمرار ليبيا في تصنيفها بين أكثر 10 دول فسادًا في العالم، وتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، يبقى السؤال الأكثر إلحاحًا: هل يمكن إنقاذ ليبيا من براثن الفساد الذي يلتهم مؤسساتها وثرواتها؟ أم أن غياب الإرادة السياسية والرقابة الفعالة سيُحول هذا الفساد إلى قدر لا مفر منه؟

كُتب بواسطة Journalist

جدل حول جودة “القرنيات”.. ماذا حدث بين مركز طبرق الطبي ومستشفى العيون طرابلس؟

أبرز المشاهد التي وثقتها الكاميرا خلال أشهر الثورة