Menu
in

استراتيجية مصرية جديدة في التعاطي مع الأزمة الليبية

المتابع للمشهد في ليبيا وتفاصيله وتحركات الأطراف الدولية والإقليمية فيه، سيجد أن الدولة المصرية بدأت الحضور بقوة هناك ضمن استراتيجية جديدة للتعاطي والانفتاح مع جميع الأطراف المحلية هناك في محاولة لاستعادة دورها المحوري في ملف له علاقة وثيقة بأمنها القومي، خاصة بعد مرحلة من القراءة الخاطئة أو المندفعة للدولة المصرية بتبنيها أو دفاعها عن مشروع وحيد وتمترسها خلف معسكر الشرق الليبي بشقيه العسكري والسياسي.
الحضور المصري الجديد بدأ بعدما ساهمت الدبلوماسية المصرية في تصفير المشكلات العالقة بين القاهرة ودول أخرى مهمة في المنطقة ولها علاقات وثيقة بالأزمة الليبية سواء إيجابا أو سلبا، ولعل أبرز هذه العلاقات هو إتمام عملية تطبيع العلاقات وتصفير المشكلات مع تركيا الموجودة بقوة في ليبيا سواء بأجهزتها المخابراتية أم بعلاقاتها الدبلوماسية أم بقواتها العسكرية.
ساهمت دبلوماسية تصفير المشكلات والصدام بين القاهرة وأنقرة، في فتح مجالات أوسع للدولة المصرية لتعود بقوة لتكون لاعبا هاما ومحوريا في ملف ليبيا وأن تعول عليها حتى القوى الدولية لتكون قائدة لبعض الملفات في الداخل الليبي، لعلاقاتها الاستراتيجية والواسعة مع أطراف محلية متحكمة في المشهد هناك، وعلى رأسهم: رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح وقائد القيادة العامة المشير خليفة حفتر، ما دفع الولايات المتحدة الأميركية أن تنسق مع مصر بالإضافة إلى تركيا في أي خطوات تدفع نحو تسوية سياسية أو منع عودة الاقتتال والتصعيد العسكري هناك.
الاستراتيجية المصرية الجديدة تعتمد على سياسة الاحتواء والانفتاح مع كل الأطراف الليبية المحلية والخروج من دعم مشروعات مناطقية أو شخصية أو المراهنة على فصيل وحيد هناك أن يكون له اليد الطولى، كون الوضع في ليبيا وتفاصيله معقدة ومتشابكة ولا يمكن لفصيل واحد التحكم والسيطرة فيه.
هذه الاستراتيجية الجديدة للقاهرة جعلتها موجودة في أدق تفاصيل المشهد الليبي وتساهم بدور إيجابي للدفع نحول حلحلة الأزمات المتراكمة هناك، ومن آخر هذه الأزمات ملف المصرف المركزي الليبي وأزمته بعد إقالة المحافظ الصديق الكبير والذي كان يتمتع بعلاقات جيدة مع القاهرة، لكن الأخيرة لم تدافع عنه أو تضغط إعادته رغم أن هذا كان مطلبا من “عقيلة صالح” الحليف الاستراتيجي لمصر، لكن القاهرة تعمدت الوقوف على الحياد في الأزمة بل وساهمت بالتنسيق مع تركيا وأميركا والبعثة الأممية في حل الأزمة عبر الحوار والتفاوض، وهو ما تم بالفعل وانتهت أزمة المصرف المركزي.
عنوان آخر يؤكد الاستراتيجية المصرية الجديدة بتوجهاتها الإيجابية وهو حرص القاهرة ودفاعها المستميت عن اتفاقية وقف إطلاق النار الموقعة بين الأطراف العسكرية في ليبيا ممثلة في اللجنة العسكرية المعروفة بلجنة “5+5” الموقعة في مدينة الغردقة المصرية.
ولا ننسى هنا رعاية القاهرة واحتضانها لمسارات المسار الدستوري وللجنة المشكلة من مجلسي النواب والدولة المعروفة بلجنة “6+6″، والتي توصلت إلى قوانين انتخابية ينقصها حل النقاط الخلافية للتحرك بها نحو عملية انتخابية متزامنة لطالما دعمتها مصر في كل المحافل الدولية والإقليمية.
حرص مصر على عدم انهيار اتفاقية وقف إطلاق النار يشير إلى تبنيها الخيار الدبلوماسي والحواري والتفاوضي بديلا عن استخدام لغة السلاح أو التصعيد العسكري، حتى لو كانت القاهرة تورطت في ذلك سابقا بدعمها لحفتر في بعض تحركاتها لكنها الآن تعود بقوة لإصلاح هذا الأمر وغسل يديها تماما من أي قراءة خاطئة في مرحلة مرتبكة كانت البلاد خلالها في أزمات داخلية وصدامات خارجية أفقدتها بعض التوازن.
الخلاصة أن استراتيجية القاهرة الجديدة في التعاطي مع الأزمة الليبية سيكون له الكثير من الردود الإيجابية على المشهد الداخل، وأولها: ضمان استمرار اتفاقية وقف إطلاق النار بين الأطراف المتنازعة هناك، والدفع نحو تسوية سياسية حقيقية في البلاد باستخدام مصر لأدواتها الضاغطة على حلفائها في معسكر الشرق الليبي، وإعادة الزخم حول العملية الانتخابية عبر استضافة مصر لمفاوضات جديدة بين مجلسي النواب والدولة سواء على مستوى رئاسة المجلسين أو اللجان المشكلة من المجلسين من أجل إنهاء النقاط الخلافية في القوانين الانتخابية والانطلاق إلى عملية الانتخاب بإجراءاتها المتعارف عليها.
هذا التغير الكبير في الموقف المصري تجاه أزمات ليبيا المتشابكة وقيام القاهرة بتنسيق الخطى مع القوة الإقليمية ومع البعثة الأممية، سيساهم بشكل كبير في تحقيق الاستقرار والهدوء ومنع عودة الاقتتال هناك، إضافة إلى تحجيم التدخل الدولي والخارجي السلبي في ليبيا. فرغم أن التغير جاء متأخرا لكنه سيكون تغيرا قويا ينبني عليه قرارات إقليمية وليبية ربما تحسم العالق من الملفات هناك.

المصدر: خاص الرائد

كُتب بواسطة KR

Exit mobile version