بنيله تزكية أقرب للإجماع من أعضاء مجلسي النواب والأعلى للدولة، يكون قرار تعيين محافظ ونائبه الجديدين للمصرف المركزي هو أكثر قرار حظي بهذا المستوى من التوافق بين مكوني السلطة التشريعية منذ أقر الاتفاق السياسي وجودهما قبل نحو تسع سنوات، وهي إشارة قوية التقطها الجميع داخل وخارج ليبيا، ورفعت سقف التوقعات بأن يكون طي أزمة المصرف المركزي إيذانا بإحياء العملية السياسية بمضي المجلسين نحو حلحلة باقي الملفات الخلافية العالقة.
• انخراط استثنائي
أظهر الانخراط الكبير لأعضاء مجلسي النواب والدولة، أنه يمكن الرهان على توسيع التوافق السياسي الحاصل، حتى بوجود عقبات ونزاعات بينهما، أو داخل المجلسين نفسيهما، فعديد نواب المنطقة الغربية شاركوا في جلسة اختيار محافظ المركزي ونائبه، بعد انقطاع بعضهم لفترات مختلفة، كما أن رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، اهتدى لطريقة تسمح بتجاوز عقبة رفض الاعتراف به التي يرفعها سلفه محمد تكالة، واكتفى بجمع نصاب كبير من توقيعات الأعضاء لتزكية اتفاق المصرف المركزي.
• آلية توافقية للإنفاق
هذه المرونة التي أبداها المجلسان، تراهن البعثة الأممية وخلفها عديد الأطراف الدولية والليبية عليها لتفكيك الألغام التي ظلت تعرقل إنهاء الأزمة، وأولها حسم آلية الإنفاق العام بما يضمن حماية المال العام من الفساد والهدر، وتحديد الأولويات التي تلبي الحاجات العاجلة لليبيين، وخاصة فصل المسار المالي والمصرفي عن التوظيف السياسي والتموقع غير المشروع وشراء الذمم والولاءات وزيادة تسميم المشهد الأمني وتقسيمه.
• باقي المناصب السيادية
العقبة الأخرى التي ينتظر أن يشكل اتفاق المصرف المركزي دافعا لتجاوزها، هي التوافق على باقي المناصب السيادية الكبرى، في الأجهزة الرقابية والقضائية والمالية، تمهيدا لإنهاء الانقسام الحاصل وتوحيدها، وقد أثبتت التجربة أن حالة الجمود التي وصلت إليها العملية السياسية لم يكتف بحالات الانقسام المؤسسي الموروثة، بل تتجه لتقسيم أجسام أخرى ظلت بعيدة نسبيا عن التشظي، كما ينذر بحصول ذلك للمحكمة العليا والدائرة الدستورية فيها.
• أرضية لحكومة انتخابات
والرابط بين هذه الملفات كلها، كما تقول البعثة الأممية هو تحويل اتفاق النواب والدولة في المصرف المركزي، إلى أرضية صلبة لتشكيل حكومة انتقالية توافقية تنحصر مهمتها في التحضير للانتخابات وإنجاحها، وبدأت تتسرب بعض ملامحها بأن تكون مصغرة ومحدودة الولاية وتتشكل بالأساس من تكنوقراط.
•تحرير العسكريين
لم يكن بالإمكان في الشهور الأخيرة، إخفاء حقيقة التأثير السلبي الكبير للأزمة السياسية على الاتفاق العسكري، الذي ظل ينظر إليه في السنتين الأولين من عمره، على أنه الرافعة التي تتكئ عليها بقية المسارات السياسية والاقتصادية والمجتمعية، لكن الوقع أنه أصبح ضحية لها، واستطاعت حالة الجمود في العملية السياسية أن تشل عمل اللجنة العسكرية المشتركة، بعد أن كانت طموحاتها عالية في الدفع بملف توحيد المؤسسة العسكرية والأمنية، وينتظر الآن أن يعود للاتفاق العسكري وهجه المفقود، وهو رهان آخر للفاعلين السياسيين الليبيين.