يرى الباحث في المعهد الملكي البريطاني للأمن والدفاع، جلال حرشاوي، أن النتائج المتوقعة لأزمة مصرف ليبيا المركزي أخطر بكثير من الحروب التي عاشتها البلاد، ولن يكون أمام إدارة بايدن خيار سوى التدخل لاستعادة التوافق في ليبيا وإنهاء أزمة المصرف، لأنها عابرة للحدود، وتغيير طريقة عمل المصرف ليس قرار ليبيا وحدها.
وقال حرشاوي، في مقابلة مع مجلة “جان أفريك” الناطقة بالفرنسية، إنه في مواجهة العقبات المرتبطة بإقالة محافظ المركزي “لن يكون أمام واشنطن وأنقرة خيار آخر سوى التدخل لإعادة الأطراف الليبية المختلفة إلى طاولة المفاوضات”
أزمة عابرة للحدود
ويشير حرشاوي هنا إلى أن المصرف المركزي يدير ثروتين استراتيجيتين، أولها تدفقات وسيولة الإيرادات النفطية الشهرية بالدولار، والثانية هي احتياطيات العملات الأجنبية في الخارج، وهذه تقدر بعشرات المليارات من الدولارات مودعة لدى المصارف الامريكية في نيويورك، ومنها “جي بي مورغان”، وأن “أزمة ليبية قد تصبح مشكلة عابرة للحدود ذات بعد أمريكي كبير” .
وحسب الباحث المتخصص في الشأن الليبي يوجد خطر متزايد من إساءة الاستخدام وغسل الأموال والمناورات بجميع أنواعها “وهذا يثير غضب البنوك الأمريكية الخاصة التي لها أيضًا تأثير على الدبلوماسية الأمريكية، وسيتعين على إدارة بايدن التدخل لإعادة إرساء التوافق” بين المؤسسات في شرق وغرب ليبيا.
رسالة أفريكوم
وعاد الباحث بالمعهد الملكي للدفاع والأمن، إلى البيان الصحفي الأخير الصادر عن السفارة الأمريكية الذي “يوضح أن أفريكوم طلبت من عبد الحميد الدبيبة ضمان سلامة المؤسسات التي تعتبر ضرورية للاقتصاد”، وهي رسالة اعتبرها حرشاوي “مثيرة جدا للاهتمام لأنها للمرة الأولى التي نرى جنرالًا ورئيسًا لأفريكوم يأتيان شخصيًا لنقلها”.
ويعتقد حرشاوي أن الأفريكوم إن كانت صاحبة قرار في هذا الشأن فقد أظهرت حزما وصرامة أكبر من وزارة الخارجية الأمريكية اتجاه أزمة مصرف ليبيا المركزي.
ومبرر هذا الاهتمام الأمريكي الخاص يعود إلى كون “تدفق الدولارات من إيرادات النفط تديره المصارف الأمريكية وتسيطر عليه، لذا فإن تغيير طريقة إدارتها ليس قرارًا يخص ليبيا وحدها”.
الممر الإجباري عبر الدولارات القانونية
وتحتاج ليبيا، بحسب حرشاوي، إلى بيع ما بين 25 إلى 30 مليار دولار من النفط الخام سنويا. وللقيام بذلك، “عليها أن تعمل وفقاً للقوانين الدولية، وقواعد بيع النفط ودائرة الدولارات القانونية، وأن تعمل من خلال المصرف المركزي.
ولاحظ حرشاوي أن الجميع ركز على تداعيات حالة الإغلاق في بعض الحقول والمنشآت النفطية، لكن الحدث الرئيسي، الذي تسبب فيه أيضا “له تأثير أكثر خطورة، بسبب نشر قوة رادعة من جانب واحد للإطاحة، بحكم الأمر الواقع، بمحافظ المركزي الصديق الكبير”.
خطوة الدبيبة جاءت بنتائج عكسية
وشدد الباحث بالمعهد الملكي البريطاني، على أن الفريق المعين الجديد “ليس على علم بعمل المركزي، والأدوات التي تُنفذ وطبيعة العمليات” كما أن “المرور العنيف الذي قام به الدبيبة الذي يتعارض مع اتفاق الصخيرات والقانون الليبي، أثبت أنه يأتي بنتائج عكسية”.
ويعتقد الباحث أن خطر الحرب موجود، لكن الغموض الحالي، وعدم اليقين الذي يحوم، يرجع في المقام الأول إلى الانهيار الاجتماعي والاقتصادي، “وهو أكثر تدميراً بكثير من الحرب… ستكون كارثة مدمرة يمكن أن تنتشر بسرعة، ويجب ألّا ننسى أن الأموال ليست في ليبيا، نعم يمكن أن نقول إنها تابعة لليبيا، لكن المشكلة عابرة للحدود الوطنية، ومن هنا يأتي الدور الحاسم للموقف الأمريكي”.
طريق ثالث
ويخلص حرشاوي إلى وجوب سلوك طريق ثالث لاستعادة الهدوء وضمان استمرار ليبيا في استيراد الغذاء والدواء وتوفير احتياجاتها، محذرا من خطورة التجميد لأنه يمثل خطراً جدياً يؤدي إلى العجز عن دفع رواتب الموظفين.
وفي المقابل، يرى حرشاوي أن تدخل الأمم المتحدة في الوقت الحاضر لا طائل منه، لكن العواقب المحتملة للمشاكل المالية أكثر خطورة، وهو أمر متناقض أيضاً في بلد يتمتع بموارد كبيرة، على عكس لبنان.
وأضاف أن تركيا والولايات المتحدة والأمم المتحدة أعربت عن عدم موافقتها، “حتى يتوقف محمد المنفي وشركاؤه عند هذا الحد، ولا يفكروا في حل مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، ولا توجد آلية لوقفهم”.