وضع أمني منفلت تعيشه المنطقة الغربية منذ بداية العام، زادت حدته في الأسابيع الأخيرة ببلوغ التوتر مرحلة غير مسبوقة من التشظي والصدام، لم يفلت منها هذه المرة لا الخصوم ولا الحلفاء في المشهد السياسي والأمني القديم والجديد، وانتشرت ظاهرة الفلتان الأمني من مصراتة شرقا إلى زوارة غربا، فلم تسلم منها حتى مناطق ظلت لسنوات هادئة نسبيا، مثل الخمس وزليتن والجميل وتاجوراء وغيرها.
• عودة الاغتيالات
عمليات الاغتيال والخطف، الناجحة منها والفاشلة، طالت أسماء بارزة في الهيكلية الأمنية والسياسية، كان آخرها اغتيال آمر الكلية البحرية بالزاوية، عبد الرحمن ميلاد، وما تبعها من توجيه التهمة قضائيا ورسميا إلى مجموعة أمنية أخرى في الزاوية، على رأسها آمر قوة الإسناد الاولى الزاوية محمد بحرون، وقبل ذلك كان الهدف هو.
وقبلها فشل منفذو عملية مماثلة في اغتيال مستشار الدبيبة عبد المجيد مليقطة، ووجه النائب العام حينها أيضا الاتهام رسميا لعناصر من جهاز المخابرات، فضلا عن عناصر عديدة أخرى اقل شهرة جرى تصفيتها دون أن تثير صخبا كبيرا في الزاوية وطرابلس ومناطق أخرى.
الزواية “خارج السيطرة”
وفي ظل هذه الأحداث لم تعد الزاوية كما كانت من قبل، تنفرد وحدها بموجات الاشتباكات التي لا تلبث أن تتوقف حتى تندلع مجددا، بين مجموعات متنازعة على النفوذ في المدينة وضواحيها، لكن الجديد هو اعتراف وزير الداخلية في حكومة الدبيبة عماد طرابلسي، بان المدينة أصبحت أمنيا خارج سيطرة الوزارة، ولم يعد للدولة القدرة على فرض وجودها فيها، وجاء التصريح بعد شهور قليلة على عملية واسعة تبناها الدبيبة نفسه لمحاربة كما وصفها حينها بشبكات التهريب مستعملا لأول مرة الطيران المسير في قصف عدة مناطق، وجاعلا منها عنوانا لعودة القبضة الأمنية للدولة على المنطقة.
• رأس جدير عنوان الفلتان
وبقي معبر راس جدير الحيوي والأكبر لتواصل الليبيين مع الخارج عبر تونس، يتصدر الأحداث، وفرضت عليه مجددا حالة إقفال ووقف تام للحركة عبره في الاتجاهين، بالرغم من وجود قوتين كبيرتين مشكلتين لضمان سيولة وسهولة التنقل فيه، الأولى تتبع الداخلية ممثلة في قوة إنفاذ القانون الشهيرة، لكنها ما لبثت أن تحولت إلى مصدر نزاع مع المجموعات الأمنية في زوارة، فجاءت القوة الثانية وتتبع الدفاع كطرف محايد ينهي التوتر ويفرض القانون، وتتشكل من طيف واسع من الكتائب العسكرية في المنطقة الغربية، فعجزت هي الأخرى حتى الآن عن رفع حواجز البوابة الأمنية المغلقة في المعبر.
طرابلس، الخمس، الجميل.. وغيرها
وفي العاصمة طرابلس طفت على السطح خلافات وصدامات جديدة، تصدعت معها التحالفات القائمة حتى ولو اختلفت عناوينها، ففي تاجوراء كان الخلاف حول السيطرة على مقر كتيبة الشهيدة صبرية، وجرّت الحادثة وراءها تدخلَ مجموعات أمنية من مصراتة ومناطق أخرى، وغير بعيد عنها في قلب العاصمة عاد الصراع حول تأمين مبنى المصرف المركزي، وفي الجميل أعلن أعيانها ومجلسها البلدي حالة العصيان الشامل، و طغلق الطرق المؤدية للمدينة متهمين الحكومة بالغياب، وفي الخمس تحول الصراع بين مجموعتين إلى اشتباكات دامية سقط فيها مدنيون وعسكريون.
خطة أمنية للعاصمة فقط
وفي 24 من أغسطس الماضي، أعلنت وزارة الداخلية في حكومة الدبيية بدء تطبيق خطة الانتشار الأمني الشرطي في العاصمة طرابلس للعام 2024 عبر 3 مسارات.
وقالت الوزارة في بيان، إن المسارات الثلاثة تعمل على عودة التشكيلات الأمنية والعسكرية إلى مقارها الرئيسية، وحصر البوابات الأمنية في الطرقات على الأجهزة المختصة التابعة للوزارة، وأن تكون مهام تأمين المقار العامة ومؤسسات الدولة منوطة بوزارة الداخلية فقط.
وقال وزير الداخلية المكلف في الحكومة عماد الطرابلسي، إن تأمين وحماية جميع المؤسسات داخل العاصمة طرابلس سيكون مهمة قوات الشرطة فقط، وإن الأجهزة الأمنية ستعود لمعسكراتها الرئيسية، مشيرا إلى أن تنفيذ الاتفاق القاضي بانسحاب الأجهزة من المؤسسات واستبدالها بالشرطة يستغرق أسبوعا إلى 10 أيام، لكن تبقى التساولات عن مدى نجاح هذه الخطة والحد من الاشتباكات المسلحة التي تندلع في طرابلس بين فينة وأخرى، في حين لم تشر الوزارة لأي خطط لتأمين باقي مناطق المنطقة الغربية التي تعج بالفوضى وعلى رأسها مدينة الزاوية ؟!