لم تلبث الزيارة التي قادت رئيس الحكومة الليبية أسامة حماد إلى مصر، أن تحولت إلى أزمة ليبية-ليبية جديدة، تتبادل فيها الأطراف السياسية في بنغازي وطرابلس الاتهامات، وتتنازع الشرعية الخارجية.
البداية كانت من بيان لوزارة الخارجية في حكومة الدبيبة، أعربت فيه عن رفضها للاستقبال الرسمي الذي خص به رئيس الحكومة المصرية وفد الحكومة الليبية يتقدمه أسامة حماد وبلقاسم حفتر، واصفة الضيوف بأنهم يمثلون “أجسامًا موازية لا تحظى بأي اعتراف دولي” قبل ان تتهم مصر، ضمنيا، “بالخروج عن وحدة الموقف الدولي الرافض لعودة البلاد إلى حالة الانقسام والاحتراب ”
- تنازع على الشرعية الخارجية:
ولم ينتظر الرد طويلا ليأتي، بداية من وزارة الخارجية بحكومة حماد، التي ذهبت أبعد من ذلك بدعوة “الدول الصديقة والشقيقة إلى نقل سفارتها وممثلي الهيئات والمؤسسات الدبلوماسية والدولية إلى مدينة بنغازي بدلا من العاصمة طرابلس”، مثمنة “موقف مصر وجهودها الداعمة لتقوية العلاقات الثنائية بين البلدين”.
ثم جاء موقف رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، الذي قال عبر مكتبه الإعلامي، إنه “يستنكر التصرفات غير المسؤولة” الصادرة عن حكومة الدبيبة، مجددا موقفه منها باعتبارها “حكومة منتهية الولاية بانتهاء مدتها المحددة في المرحلة التمهيدية وكذلك سحب الثقة منها”
وأضاف أن ما صدر منها “ضد مصر .. لا يمثل الشعب الليبي الذي تربطه علاقات تاريخية وطيدة مع الشعب المصري، لن يعكر صفوها أي محاولات أو خلافات” .
- مصر تستدرك لكن لا تفلت:
وكانت العلاقات الرسمية بين مصر وحكومة الدبيبة قد عرفت تحسنا ملحوظا في الأشهر الأخيرة، بزيارات رسمية قادها الدبيبة نفسه إلى القاهرة وأخرى ظهر فيها عديد وزرائه إلى جانب نظرائهم المصريين في لقاءات رسمية، واعتبر المتابعون ذلك ما يشبه الاستدراك في الموقف المصري الذي كان حازما وقطعيا ضد استمرار الاعتراف بحكومة الدبيبة بعد تشكيل الحكومة الليبية برئاسة باشاغا، ثم عادت لتؤكد عبر زيارة حماد أنها لم تفلت الخيط الذي يربطها بها، كما يأتي الموقف المصري الجديد في اتجاه التعاطي الرسمي مع حكومة حماد بعد أيام قليلة على زيارة رسمية رفيعة قادت إلى تركيا، بلقاسم حفتر، بصفته رئيس “صندوق إعمار ليبيا” المستحدث من مجلس النواب وغير المعترف به من الأجسام السياسية والاقتصادية في طرابلس.
- معادلة متوازنة من أنقرة للقاهرة:
وتظهر هذه التطورات بوضوح كيف أصبح الطرفان المصري والتركي يضعان المعادلة الاقتصادية والمالية في مقدمة الاعتبارات التي تحدد تعاطيهما مع المشهد الحكومي المنقسم في ليبيا، وهو ما فهمه الفرقاء الليبيون أنفسهم فراحوا يوزعون المشروعات المختلفة في البنية التحتية وإعادة الإعمار على الدولتين الاقليميتين، وكذلك فعل الدبيبة في مشروعات “عودة الحياة” وجاء بعده بلقاسم حفتر في مشروعات “صندوق الإعمار”.
وكلما مضى الليبيون في هذا المقاربة زاد اقتناع الأطراف الخارجية بالإبقاء على طرفي التوازن حتى لا يخسروا أحدهما فتتعطل المصالح الاقتصادية لهذا أو ذاك مع التأجيل المستمر للانتخابات وتعثر تشكيل الحكومة الموحدة الجديدة التي تنهي الانقسام وتلملم حالة التشظي في مؤسسات الدولة.