لم يلبث رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة كثيرا قبل أن يردّ على خطاب محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير مؤخرا الذي طالبه فيه بترشيد الإنفاق الحكومي.
وبينما يتهم المركزي حكومة الوحدة بالتوسع في الإنفاق الاستهلاكي، يرد الدبيبة قائلا إن الأرقام التي أوردها المصرف المركزي عن حجم الانفاق العام “كاذبة”، وأن حكومته لم تسرف في استخدام النقد الأجنبي كما يدعي البيان بل عززته بفائض بلغ عدة مليارات.
فما الذي أراده الدبيبة حقيقةً من هجومه على الكبير؟ وهل عززت سردية الدبيبة عن الإنفاق الحكومي موقف حكومته أم العكس؟
فائض أم عجز
الدبيبة تحدث خلال اجتماع الحكومة عن تحصيل 75.2 مليار دولار من الإيرادات بالعملة الصعبة خلال 3 سنوات، مشيرا إلى أن حكومته عززت العملة الصعبة لصالح المصرف المركزي بفائض قدره 2.4 مليار دولار، في حين يؤكد المصرف المركزي أن العجز في استخدامات النقد الأجنبي خلال السنوات الثلاث الماضية بلغ نحو 35 مليار دولار.
وأكد المركزي، في بيانه، أن الدولة أنفقت من عام 2021 حتى نهاية 2023 قرابة 420 مليار دينار، وُجه معظمها لنفقات استهلاكية على حساب الإنفاق التنموي وهو ما ولّد ضغوطا على سعر صرف الدينار الليبي.
اتهام للمصارف
وبشأن استخدام الحكومة للنقد الأجنبي، كشف الدبيبة
خلال اجتماع الحكومة أن إجمالي ما استخدمته حكومته خلال 3 سنوات ماضية، لم يبلغ سوى 15 مليار دولار، بنسبة أقل من 20% من الإيرادات بينما ذهبت النسبة الأكبر من النقد الأجنبي البالغة 74% للمصارف التجارية بمبلغ 55.8 مليار دولار.
رد على الكبير
وتبدو تصريحات الدبيبة تلك عن استخدامات النقد الأجنبي ردا ضمنيا على خطاب محافظ المصرف المركزي الذي صدر مؤخرا، ودعا فيه الحكومة إلى تقييد الإنفاق العام والتحذير من استنزاف احتياطات الدولة.
وكان الكبير قد دعا، في خطابه للدبيبة في الـ 27 من فبراير الماضي، إلى إيقاف الإنفاق الموازي مجهول المصدر، وإقرار ميزانية موحدة، وترشيد الإنفاق بما يحافظ على احتياطات الدولة وحقوق الأجيال القادمة، وذلك للخروج من هذه الأزمة الخانقة.
وعن ميزانية 2024 الحالية، تساءل الكبير في مراسلته من أين ستوفر الحكومة تمويل الزيادات في ظل تراجع حجم الإيرادات المتوقعة لعام 2024 إلى مستوى 115 مليار دينار وفقا لتقديرات مؤسسة النفط إضافة إلى 5 مليارات دينار إيرادات سيادية أخرى، بإجمالي قدره 120 مليارا.
محاسبة بن قدارة
ومن جهة أخرى، تحدث الدبيبة عن تخصيص 7.8 مليارات دولار لوزارة النفط من أجل دفع ديون الأجانب ومشتريات عالقة، إلى جانب تخصيص ميزانية استثنائية لمؤسسة النفط مقابل أن ترفع إنتاج النفط إلى مليونَي برميل، داعيا الليبيين إلى محاسبة رئيس مؤسسة النفط عن تلك الأموال.
مشروعات تنموية
وأضاف الدبيبة، خلال تلك الكلمة، أن الحكومة صرفت 2.3 مليار دولار على المشروعات التنموية المنفذة من شركات أجنبية، مثل الطرق الرئيسية والمستشفيات والمدرجات التعليمية والمدارس، إضافة لـ 1.8 مليار دولار لقطاع الكهرباء، و1.2 مليار دولار للطلبة والعاملين بالخارج، و 977 مليون دولار لتوريد الأدوية، و330 مليون دولار للعلاج في الخارج.
أموال مزورة
وادّعى الدبيبة، في ثنايا خطابه، وجود مؤامرة لشراء 200 مليون دولار في أسبوع واحد بالأموال المزورة، مشيرا إلى أن أحد الأسماء المجهولة اشترى وحده 10 ملايين دولار في عملية واحدة بالأموال المزورة التي طبعت حديثا، داعيا من يريد البحث عن مصير العملة الصعبة أن يبحث في الاعتمادات المستندية!
بند المرتبات
وتجاهل الدبيبة خلال حديثه، وفقا لمراقبين، أن كل نفقات الدولة تمول عمليا من إيرادات النفط بالعملة الصعبة، ومنها بند المرتبات الذي تخطى عتبة الـ 60 مليار دينار خلال العام الأخير، إضافة لبنود الدعم والتسيير الحكومي والتنمية، في ظل عجز وتقصير واضحين من الحكومات المتعاقبة في تنويع مصادر الدخل.
إخفاق حكومي
ومما يزيد الطين بلة، عجز الحكومة عن تحصيل الإيرادات السيادية، إذ لم تزد إيرادات الدولة بالعملة الوطنية من خارج مبيعات النفط، عن 4.2 مليار دينار سنويا، نصفها من الضرائب، أما الجمارك فلا تساهم إلا بجزء بسيط جدا لا يتعدى 333 مليون دولار، أي ما نسبته 3% فحسب من إجمالي الاعتمادات المستندية، في حين تتراوح النسبة المتوسطة لإيرادات الجمارك في معظم دول الجوار بين 30% إلى 40%.