في هذا المنشور كنت سأتكلم عن دور الدين العام المحلى البالغ (200) مليار دينار في الحياة الاقتصادية في ليبيا كأداة من أدوات السياسة المالية وكأداة لسد العجز في الميزانية العامة، في ظل تدني الإيرادات العامة، سواء كانت إيرادات نفطية أو إيرادات ضريبية، لمواجهة النفقات العامة وخاصة التنموية الاستثمارية، التي تساعد على رفع المستوى المعيشي للمواطن الليبي من خلال اعتماد سياسات وخطط مالية واقتصادية توضع في هذا الخصوص، ولكن قادني قلمي وأنا لا أدري، إلى المشكلة الجديدة القديمة التي لن تغادرنا إلا إذا غادرنا من كانوا سبباً في صناعتها والقيام بها، وهى مشكلة السيولة وتدهور سعر صرف العملة الوطنية أمام الدولار.
المشكلة الرئيسية هي وجود فرق كبير بين سعر صرف الدولار الرسمي وسعر صرف الدولار في السوق الموازي، يشجع التجار المضاربين الذين يدعمون، نيابة عن مصرف ليبيا المركزي، السوق الموازي وهو عدو المصرف المركزي كما يقول خبراء الاقتصاد ،(هل رأيتم من يقوم بدعم عدوه بالمال) لكي لا يستطيع المصرف المركزي الدفاع عن عملته الوطنية وتبقى تُنقل مكدسة على براويط ليس لها قيمة وكأنها فى سوق الخضار وتحت جدار المصرف المركزى.
وكيف لا تكون كذلك عندما يأخذ المضارب بطاقة 10 آلاف دولار في الصباح من مصرف ليبيا المركزي ويذهب بها في المساء ليصرفها في السوق الموازي ليتحصل على إيراد من 7% إلى 8% وعندما يعمل هذا المضارب هذه العملية عشر مرات فقط فإن الربح يتضاعف إلى %300 بل يوجد من يتحصل على أكثر من (50) بطاقة فكيف يكون ربحه من هذه العملية؟
مع العلم بأن مصرف ليبيا المركزي قام بفتح الاعتمادات التي فاقت 100 اعتماد خلال الفترة الأخيرة، وهو الآن يمنح مبالغ عن طريق بطاقة الأغراض الشخصية …إلخ، ومع ذلك سعر الدولار في ارتفاع تجاوز (7 ) دينارات.
قام المصرف المركزي بهذه السياسات الخاطئة ظناً منه أن قيمة الدينار الليبي سوف ترتفع مقابل الدولار، إذاً الفارق الكبير بين سعر صرف الدولار الرسمي وبين سعره في السوق الموازي هو الذى أدى إلى وجود تُجار عملة مضاربين وهو الذي فتح الأبواب مشرعة للفساد والتهريب والسرقة الخ.. إن هذه السياسات الخاطئة يقوم بها بشر من خلال حكومات متعاقبة وبذلك تكون نتيجة هذه السياسات هو الفشل والإخفاق في إدارة الانفاق ووجود السرقة والتهريب، كل هذه النتائج السلبية أدت الى عدم التوازن في كل السياسات (السياسية والاقتصادية والنقدية، والمالية).
على سبيل المثال لا الحصر: سياسة الإنفاق فى سنة 2010 كانت المرتبات من 8 إلى 9 مليارات، وبعدها أصبحت 25 مليارا واليوم أصبحت 65 مليارا.
نأتى إلى حجم الموازنات العامة:- فى سنة 2017 كان حجم أكبر ميزانية في تاريخ ليبيا 70 مليار دينار وأحدثت ضجة إعلامية كبيرة ووصل سعر صرف الدولار في ذلك الوقت إلى (10) دنانير، وفي سنة 2023 بلغت الميزانية (125) مليار دينار نفقات عامة ومن المتوقع أن يكون فيها نسبة 84% نفقات استهلاكية، وهذه مشكلة أخرى وخطيرة.
في سنة 2018 عندما فرضت رسوم على العملة الأجنبية وكانت هذه إيجابية وفي الطريق الصحيح رحب بها رجال الاقتصاد والمالية وحُل جزء كبير من مشاكلنا التي كُنا نعاني منها في السنوات من 2015 – 2019 هذه السنوات العجاف كانت لا توجد لدينا سيولة وعجزنا عن دفع المرتبات لمدة تزيد عن 7 أشهر ودفعنا منها علاوة الأطفال وعلاوة الزوجة وحتى علاوة البنات.
إنني أحذر هذه الحكومة وكذلك مجلس النواب ومصرف ليبيا المركزي إذا ما أستمرت هذه السياسات الخاطئة فسوف تشهد ليبيا عجزاً كبيراً وحقيقياً عندما يكون سعر برميل النفط دون (72) دولارا، وهذا ليس كلامي بل كلام الكثير من الخبراء في هذا المجال، وعليه يجب أن نستعد في هذه السنة 2024 لمواجهة هذا العجز في ظل عدم وجود سياسات نقدية ومالية ولا إصلاحات مصاحبة.
وهذا يجب أن يتأتى سريعاً وفوراً فی وجود رئيس حكومة موحدة على كامل التراب الليبي يحمل عقلية الرشد ويكون ولاؤه لله وللوطن قبل كل شيء، ويكون انتمائه لكل الليبيين ويكون في مستوى المسؤولية ويُشرك الخبراء في جميع المجالات، ويعطى الخبز لخبازه كما يقولون، وتجرى إصلاحات صريحة ومستمرة دونما انقطاع مع تعديل الوضع القانوني لمصرف ليبيا المركزي والتئام مجلس إدارته أو تغييرهم لعدم اتفاقهم على كلمة سواء، والفصل بين السلطات والاختصاصات (النقدية والمالية والتجارية)، وفتح المقاصة وتحويل الأرصدة بين المصارف، والحقيقة هو دمج الأرصدة بدلاً من الادعاء بنقل الأرصدة التي هي نقل دیون خلقت أموال، وخلق الأموال يزيد الطلب من العملة الصعبة، وزيادة الطلب على الدولار، تكون نتيجته هو تدهور سعر الدينار الليبي.
هذا بالإضافة إلى الإصلاحات المصاحبة وهي مهمة لرفاهية المواطن الليبي الفقير وارتفاع مستوى معيشته، مثل منح قروض لإنشاء المشاريع الصغرى والمتوسطة، ومنح القروض بجميع أنواعها العقارية، والزراعية، والصناعية التي تمتص البطالة التي تجاوزة في ليبيا حوالى 40% وهنا سوف يكون للدينار الليبي قوته ومكانته كعملة وطنية ويرجع إلى قوته الأولى وهو السعر التوازني.
المصدر: صدى الاقتصادية