أثار رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة، عديد التساؤلات بعد التصريح الذي نشره عبر صفحة المؤسسة على فيسبوك، مساء الثلاثاء، وكشف فيه عن سعيه بالتعاون مع حكومة الدبيية إلى تغيير طريقة تمويل المؤسسة لتصبح بطريقة الخصم المباشر من الإيرادات النفطية.
كسر الحلقة القانونية
كلام بن قدارة يشير إلى توجه صريح نحو كسر الحلقة القانونية الرسمية التي تضبط مسار الإيرادات النفطية منذ تسلمها من الزبون الأجنبي إلى غاية إنفاقها في بنود الميزانية الخمسة الأساسية، مع مرور إجباري على الحسابات المعلقة والوسيطة داخل المصرف المركزي ووزارة المالية.
ولا يشرح بن قدارة، في مقترحه، أي سند قانوني أو إجرائي سيقوم من خلاله بمعية حكومة الدبيبة باقتطاع ما يسميه تمويل المؤسسة مباشرة من إيرادات النفط، وكيف سيتعامل مع النصوص القانونية الصريحة الواردة في قانون الميزانية وفي قانون المصارف، التي تضع تحت طائلة العقوبات الصارمة أي تصرف في الإيرادات النفطية خارج الضوابط المحددة.
52 مليارا في 18 شهرا
تصريح بن قدارة جاء في افتتاح اجتماع الجمعية العمومية لشركة الخليج العربي للنفط المنعقد في بنغازي، الثلاثاء، بعد ساعات قليلة من نشر بيانات المصرف المركزي عن إجمالي النفقات والإيرادات في الدولة خلال سنة 2023، التي كشفت أن مؤسسة النفط تحصلت منذ مجيئ بن قدارة لرئاستها قبل 18 شهرا على تمويل استثنائي من حكومة الدبيبة ناهز 52 مليار دينار، في أضخم ميزانية تحصلت عليها المؤسسة في تاريخها.
هذه الميزانية الضخمة استهلكت 20% من كل نفقات الدولة خلال سنتين، دون أن يحرز أي تقدم في إنتاج النفط حيث لا يزال بعيدا عن مستوى إنتاج مليونَي برميل الذي تعهد به بعد تسلمه زمام المؤسسة وتحصل بموجبه على الميزانية الاستثنائية.
كما يأتي تصريح بن قدارة بعد أسابيع من توجيه ديوان المحاسبة، انتقادات حادة لطريقة صرف الميزانية الاستثنائية لمؤسسة النفط، وقال الديوان في تقرير خاص، إنها لم تنفذ بناء على مخطط مدروس للحاجات وأوجه الصرف المقدرة.
مخالفة لصريح القانون
القانون يلزم مؤسسة النفط بإيداع جميع الإيرادات في حساب المصرف المركزي خلال مدة لا تتجاوز الشهر من تاريخ تسلمها من الزبون الأجنبي، ويمنع التصرف في كل دينار منها إلا بعد تسييله من المصرف المركزي إلى حسابات وزارة المالية، وفق قانون الميزانية أو الترتيبات المالية كما هو عليه الحال منذ 2016.
كما يمنع القانون أي مؤسسة عمومية أن تحتفظ لديها بالنقد الأجنبي، وفي حال كان ناتجا عن نشاطها الاقتصادي الطبيعي فعليها أن تأخذ موافقة المصرف المركزي وتنسق معه في الخصوص وتودع الأموال داخل حسابات تتبع المصرف المركزي.
معضلة سعر الصرف
ويصطدم كلام بن قدارة بنص قانوني آخر يجعل المصرف المركزي وحده المخول قانونا بتحويل النقد الأجنبي الوارد من إيرادات مملوكة للدولة، وفق السعر الرسمي لصرف الدينار.
ولا يجيب بن قدارة كيف سيصرف النقد الأجنبي إلى الدينار في حالة استطاع فعلا حجزه وتحويله إلى حسابات خارج الحلقة القانونية لإيرادات النفط.
سابقة لم يجرؤ عليها صنع الله
رئيس المؤسسة الوطنية للنفط السابق مصطفى صنع الله لم يجرؤ في أوج خلافه مع المصرف المركزي، على اتخاذ هذه الخطوة، على الرغم من أنه كان مدعوما بالكامل من المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، إلا أن أقصى ما استطاع فعله هو تجميد الإيرادات في حسابات المؤسسة داخل المصرف الليبي الخارجي وإرجاء تحويلها للمصرف المركزي.
ولم يسئ صنع الله حينها التصرف فيها، لعلمه أن المصرف الخارجي أو أي مصرف ليبي آخر لن يمتثل لأي أمر أو إجراء يهدف إلى نقل الأموال خارج الضوابط القانونية المعروفة.
وأمام كل هذه العقبات القانونية والإجرائية، لا يعرف هل تعكس خطوة بن قدارة تصعيدا مقصودا ضد المصرف المركزي، نسق فيه مع حكومة الدبيبة، أم أنه مجرد تهديد لإجبار المصرف المركزي على إنفاق المزيد تحت الضغط؟