عام 2023 لم يكن استثناءً فيما يتعلق بهيكلة الاقتصاد الوطني، فهو ما زال اقتصادا أحادي المصدر، وما زال اقتصادا ريعيا بامتياز، وما زال اقتصادا ينخره الفساد وعدم الإنتاجية والتضخم وما إلى ذلك، وما زال يُدار بعقلية الصراع والمحاصصة وحصتي وحصتك، والكثير من المختصين يركز على التوازن في الميزانية، وهل يوجد عجز وكيفية تغطيته، وكذلك عجز ميزان المدفوعات.
ومع إني أوافقهم على تحليلاتهم الرقمية، إلا أني أرى أن الأهم هو أين ذهب الإنفاق وماهية الإيراد المقابل واستقراره واستدامته ومدى انعكاس هذا الإنفاق الهائل على برامج التنمية وتأثيرها على مستوى معيشة المواطن، وللأسف إنفاقنا بلغ أرقامًا غير مسبوقة، ومرتباتنا وصلت إلى 60 مليار دينار مقابل إنتاجية ربما صفرية أو حتى سلبية، وهنا الكارثة، إجمالي المرتبات ارتفع بنسبة double digit عن السنة السابقة وما زال يرتفع سنوياً وبنسب عالية.
كذلك لم تُنفذ أي مشاريع تنموية ذات قيمة مضافة وذات طابع مستدام، بل إنفاق على حدائق وطرق فرعية تحتاج إلى صيانة من الأشهر الأولى، وإنفاق كبير على القطاع الصحي، وفي المقابل تجد طوابير العلاج تتوافد على تونس وتبقى أحيانًا الساعات الطوال لتجتاز معبر رأس جدير!! وإنفاق كبير على التعليم والإيفاد ولا توجد لدينا جامعة واحدة ضمن الألف الأولى، وإنفاق كبير بمليارات الدولارات على سفارات وموظفين بالخارج جُل همهم الدولار والصراع الجهوي المصلحي.
والسمة الأخرى التي تميّز بها اقتصاد 23، هو تهريب النفط الليبي بأرقام خيالية تصل إلى 40% من النفط المدعوم ومليارات الدينارات وطوابير البنزين إلى هذا اليوم 29/12 تصل إلى الكيلوات من الأمتار، هذا في نطاق العاصمة، وأما في الجنوب فحدث ولا حرج.
لا ضير أن تعتمد الميزانية بعجز طالما وُجدت مصادر لتمويل العجز ووُجدت أوجه إنفاق من شأنها إرساء تنمية مستدامة، وفي حالتنا يذهب الإنفاق لتمويل جيوب الفاسدين السراق، كذلك انخفاض سعر صرف الدينار في نهاية السنة هو إشارة إلى مدى تخبطنا الاقتصادي وعدم الثقة، فلا سياسات نقدية ولا مالية من شأنها أن تعزز الثقة في الدينار الليبي، بل تُرك الأمر لمجموعة مضاربين بسوق المشير المجاور للمركزي وكأنهم راقصون على ضربات دف المركزي ويغنون، (إذا كان رب البيت للدف ضارباً … فشيمة أهل سوق المشير الرقص).
وأما عن توقعاتي لعام 2024، فأخاف إذا ما استمر هذا الحال أن نقول ( يا مبركك يا عام 2023).
المصدر: صدى الاقتصادية