انتبهوا! فكل مواطن ليبي مدين بـ30 ألف دينار على الأقل، فالدين العام هو دين على الحكومة لصالح أفراد أو مؤسسات، وعادةً ما ينشأ نتيجة عجز في الميزانية ويمكن إنفاقه لمواجهة نفقات ذات طابع استهلاكي أو خدمي، وكثير من الدول المنضبطة تحصل على الدين العام بغرض تنفيذ مشاريع بنية تحتية أو إنتاجية لها صبغة اقتصادية إيجابية، والدين العام يُقنَّن غالبا من السلطة التشريعية، وعادةً يكون عبر إصدار سندات أو صكوك من وزارة المالية أو البنك المركزي.
كمؤشر اقتصادي، يقاس الدين العام بنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، ويبلغ المتوسط العالمي للدين العام حوالي 92% من الناتج المحلي العالمي بمبلغ نحو 93 تريليون دولار استنادًا لبعض الإحصاءات المنشورة نهاية 2022، وتختلف نسبة الدول من الدين العام إلى ناتجها المحلي الإجمالي ومنها من يتجاوز الـ250% ، كما أنه يختلف طبقًا لمصدره بين دين محلي وخارجي.
وتعريجاً على حالتنا الليبية، وما جرى التصريح به أخيراً عن ديننا العام ووصوله إلى 200 مليار دينار، فإنني أشك كثيرًا في هذا الرقم لأنه ببساطة لا توجد لدينا سجلات موثوقة، ونحن في حالة انقسام سياسي كبير وربما كان الرقم أكبر من ذلك، ثم هل نعرف تحديدًا مصادر هذا الدين العام، يقولون إنها المصارف التجارية، أي مصارف هذه ؟! وما السند والشكل القانوني للحصول على هذا الدين سواء من جانب الدائن أو المدين؟، أيضًا ما تكلفة هذا الدين، أي ( خدمة الدين )؟ وهل يجري تسديدها أم لا؟.
كذلك ماذا عن ديون الخزانة العامة لصالح الأفراد والشركات المحلية؟، وهناك الكثير منها ذات أحكام قضائية ( على حسب علمي ) وهي بالتأكيد تمثل أرقاما كبيرة، خاصة في ظل الفساد وسوء الإدارة والانقسام السائد، كل تلك الأسئلة وربما غيرها كثير يحتاج إلى إجابات مرقمة وواضحة، وأنا متأكد بأن لا أحد، لا مؤسسة ولا مسؤول مختص يستطيع الإجابة بدقة، فكل هذه الاجابات المطلوبة يجب أن تكون في جعبة وزارة المالية والبنك المركزي وحدهما، ولكن هيهات فاقد الشيء لا يعطيه، خاصة أننا نعيش مهزلة انقسام إداري مفجعة.
السؤال الأخر المهم، أين أُنفق الدين العام المقدر بما يتجاوز الـ 200 مليار دينار، والذي يتجاوز الـ 130% تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي ( وربما أكثر بكثير )، أين أُنفق هل على إنشاء طريق عملاق أو سكة حديدية تربط مناطق الوطن؟! حاشا وكلا، ربما معظمه أُنفق على سيارات ومكاتب وفي حروب ورِشًا وفساد، ومن ناحية اقتصادية، الدين العام ليس عيبا، طالما أُنفق بشكل رشيد وانعكس إيجابيًا على اقتصاد الوطن ومواطنيه، ولكن في حالتنا الليبية الأمر غير ذلك اطلاقا، لو أننا قبلنا برقم 200 مليار، وأنا أتوقع أنه أكثر من ذلك، وهذا بدون تكلفة خدمته لسنوات طوال، وهو ما يوازي حوالي 30 ألف دينار نصيب المواطن الواحد من هذا الدين العام أي ما يوازي حوالي 5600 دولار، وهو مؤشر اقتصادي مهم يستخدم اقتصاديًا وماليًا لقياس مدى تأثيره على التنمية المستدامة في البلد، يعني أن كل أسرة مكونة من خمسة أشخاص عليها دين بقيمة 150 ألف دينار، في المقابل نصيب المواطن المصري من الدين العام هو 1396 دولار، والفرق بيننا وبينهم أن معظم دينهم خارجي وبالدولار وأما نحن فديننا محلي وبالدينار والحمد لله، وديننا ( فوضوي ) لا نعرف رقمه تحديدًا ولا مصدره ولا أي أُنفق ولا قيمة خدمته، بالفعل إنها دولة اللا دولة و”كُلّ يجبد على جرارته”.
ولذا فربما نحتاج إلى استخدام كل أو معظم احتياطيات المصرف المركزي لتسديد هذا الدين العام أو نحتاج إلى حجر دخلنا الإجمالي النفطي ثلاث سنوات على الأقل لتسديده على أساس أسعار النفط العالية السائدة الآن، وعندها للأسف سوف نضطر إلى الاقتراض الدولي وزيادة الاقتراض المحلي لندخل في دائرة مغلقة من الاستدانة لا يعلم نتائجها إلا الله، أقلها انخفاض الدينار لمستويات قياسية وما يترتب على ذلك من آثار مادية واجتماعية.
المصدر : صحيفة صدى الاقتصادية