شهد سعر صرف الدولار مقابل الدينار ارتفاعا مفاجئا محققا 6,26 دنانير في تداولات اليوم الثلاثاء، مما أدى إلى موجة قلق بين المواطنين من استمرار ارتفاع سعر الصرف وتأثيره على أسعار السلع وزيادة انهيار قيمة الدينار الليبي.
ويرى خبراء اقتصاديون أن من الأسباب الرئيسية في ارتفاع سعر الصرف، التوسع في الإنفاق العام الذي وصل إلى أرقام قياسية، مع تزايد الدين العام وتراكمه، كما أن محاولة المصرف المركزي تقليل العجز والحفاظ على المدخرات في ظل عجز كبير في النقد الأجنبي بلغ 11 مليار دينار، وفقًا لما ورد في تقرير المركزي، ناهيك عن الخلاف الحاصل بين المؤسسة الوطنية للنفط والمركزي بسبب توقف توريد مبيعات النفط إلى المركزي.
توسع الإنفاق
الخبير الاقتصادي علي الصلح رأى أن توسع الإنفاق الحكومي سبب رئيسي أثر على سعر صرف الدولار في السوق المحلي أو الموازي.
وأضاف الصلح في تصريحات لتلفزيون المسار، أن ظهور العجز في ميزان المدفوعات بحسب بيان المصرف المركزي هو سبب آخر يؤثر في سعر الصرف، مطالبا بأن تكون النفقات بغرض، ولها حد أدنى وأقصى، حتى لا يتكون منها عجز، وينشأ منها ما يعرف في علم الاقتصاد بضغوط تسمى بـ “الضغوط التضخمية”، وفق قوله.
لا حكومة
وأرجع رئيس مجلس المنافسة ومنع الاحتكار سلامة الغويل، سبب ارتفاع سعر الدولار في ليبيا إلى عدم وجود حكومة قادرة على اتخاذ القرار السياسي والاقتصادي في البلاد، واحتكار بعض التجار لعقود خاصة مع الدولة، وعدم ضبط العلاقات الاقتصادية والسياسية والتجارية مع الدول الأخرى.
الغويل، في تصريح لقناة تبادل، أوضح أن المضاربة بين التجار لتحقيق مكسب من جراء بيع العملة وإعادة شرائها بسعر معين لتحقيق مكسب مادي، وعدم وجود رقابة حقيقية على السوق، يزيد سعر الدولار.
وفي سياق متصل، أضاف الغويل أن ارتفاع معدلات الفائدة الأمريكية يؤدي إلى ارتفاع سعر الدولار، ما يزيد من تكلفة السلع المستوردة، وقد يساهم في ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض القوة الشرائية للمواطنين.
لا تبرير
ومن جانبه، يرى رجل الأعمال حسني بي، أنه لا يوجد أي منطق أو قاعدة اقتصادية تبرر ارتفاع الدولار عن أسعاره المعلنة من مصرف ليبيا المركزي هذه الأيام، إلا إذا ما كانت هناك سياسات نقدية “سرية” غير معلنة للعموم، ولكن سُربت للمتعاملين بالسوق الموازي والمضاربين وأدت إلى هذا الانهيار.
وفي تصريح للرائد أوضح بي، أن المركزي يظل هو الجهة الوحيدة التي تعلم بالحقيقة، وعليه الخروج وإعلان ما يجري.
واعتقد بي أن الحل الأمثل للأزمة وللتغلب على المضاربين يكمن في السماح للمصارف التجارية بتنفيذ جميع وسائل الدفع المسموحة قانونا، ومنها الدفع “بالكروت” و “الآجل” 30/60/90 يوما، و”بالتقسيط على مدى سنة” و”برسم التحصيل أو عند استلام الشحنة بليبيا و”التحويل المباشر Swift لأصحاب الحقوق” و”منح خطابات الضمان مع التغطية الكاملة محليا للوفاء”.
إنفاق غير مسؤول
في حين حمّل رجل الأعمال إسماعيل اشتيوي، أسباب ارتفاع سعر الدولار في السوق الموازي إلى المصرف المركزي وحكومة عبدالحميد الدبيبة في طرابلس.
وقال اشتيوي، في تصريح صحفي، إن ارتفاع الدولار أمام الدينار الليبي في السوق الموازي سببه محاولة المصرف المركزي تقليل العجز والحفاظ على المدخرات، مشيرا إلى أن الصرف غير المسؤول من الحكومة في طرابلس عرقل المصرف في تخفيض العجز.
ركود اقتصادي
ويرى الخبير محمد أبو سنينة أن الاقتصاد الليبي يشهد ركودًا تضخمياً، عززته جائحة كورونا والحرب الأوكرانية الروسية، وأن مشكلة السيولة لم تجد حلاً جذرياً، باستثناء ما تمتع به التجّار من مرونة وأريحية في فتح الاعتمادات.
وأوضح أبو سنينة في تدوينة على صفحته الشخصية، أن الإنفاق العام وصل إلى أرقام قياسية، والدين العام تزايد وتراكم، وشهد ميزان المدفوعات عجزاً لعدم كفاية إيرادات النقد الأجنبي التي تورد لمصرف ليبيا المركزي في مواجهة مصروفاته، ما أدى إلى نشاط السوق السوداء للنقد الأجنبي مجدداً.
وذكر أبو سنينة أن الاقتصاد الليبي سيستمر في مواجهة الصدمات، وحالة عدم الاستقرار، طالما ظّلت إيرادات النفط المصدر الوحيد للدخل، واستمرت مؤسسات الدولة المعنية في حالة إنكار لضرورات إعادة الهيكلة والإصلاح الاقتصادي الشامل، واكتفت بجرعات من المسكنات، ناهيك عن الصراع والانقسام القائم بينها، في ظل وجود حكومتين.
خلاف المركزي والمؤسسة
من جهته، قال الخبير الاقتصادي وحيد الجبو، إن مبيعات النفط لا تُورّد إلى مصرف ليبيا المركزي، وهو ما أدى إلى حدث شح نتيجة توقف في الإيرادات المالية إلى المركزي، معتقدًا أن هناك خلافا بين المؤسسة الوطنية للنفط والمركزي.
وأضاف الجبو في تصريح صحفي، أن بعض المصارف التجارية توقفت عن بيع العملة الصعبة لغرض العلاج أو الدراسة، وأيضًا هناك تعطيل في فتح الاعتمادات المستندية لرجال الأعمال والتجار.
وذكر الجبو أن هناك ممارسات خاطئة من الفساد المالي والإداري المستشري في أغلب المؤسسات الليبية، وهذا ما يؤدي إلى حدوث عجز في ظل تبديد المال العام وعمليات الاختلاس والكثير من المخالفات الموجودة في تقارير ديوان المحاسبة والرقابة الإدارية.
عجز النقد الأجنبي
وعدّ المحلل والخبير الاقتصادي أبوبكر طور، إعلان مصرف ليبيا المركزي، وجود عجز في استخدام النقد الاجنبي بقيمة 10 مليارات دولار، هو السبب الرئيسي فى ارتفاع اسعار صرف الدولار في السوق الموازي.
وأضاف طور في تصريح للرائد، أنه كان يجب على المركزى توضيح الأمر للمواطن، وليس التخويف وبث الهلع، حتى يجمعوا أموالهم قاصدين أسواق العملة للحصول على الدولار بأي ثمن، مشيراً إلى أن المصرف المركزى سبق أن أرسل إشارات “مشبوهة” تأثر بها السوق الموازى عندما رفع المحافظ الراية الحمراء.