ما زالت الأرقام الصادمة التي ينشرها المصرف المركزي ترمينا بسهامها الحارقة لاقتصادنا ومستقبل أجيالنا، بل مستقبلنا كوطن.
بلغ اجمالي الإيرادات 8 أشهر الماضية حوالي 78 مليار دينار، منها إيرادات نفطية بقيمة حوالي 76 مليار دينار وبنسبة 97.5%.
هذه النسبة تؤكد أننا اقتصاد ريعي بامتياز تجاوزنا فيه كل النسب العالمية باعتمادنا على مصدر وحيد ناضب للدخل، وهذا النفط الذي نعتمد عليه اعتماداً كلياً لا يمكن أبداً الركون إليه كمصدر شبه دائم، وبهذا المستوى من الأسعار ( متوسط 80 دولارا ).
نحن دولة غير مؤثرة وغير فاعلة في سوق النفط العالمي، إذ إننا ننتج ما يقل عن 1% من الاستهلاك العالمي اليومي، وهذا ما يجعلنا تحت رحمة الدول الكبيرة المنتجة مثل السعودية وروسيا وغيرهما، ولولا اتفاق OPEC PLUS فإن الأسعار ربما تهبط إلى مستويات كبيرة.
علينا أن نتصور أن أسعار النفط سوف تهبط في أي لحظة لسبب أو آخر، وفي أحسن الظروف إلى 55 دولارا للبرميل (وهذا هدف امريكي معلن)، وهذا يعني هبوط دخلنا بنسبة 31% أي ربما يصل دخلنا النفطي السنوي إلى أقل من 65 مليار دينار تقريبا (فرضية استمرار الإنتاج على ما هو عليه الآن) وهذا سوف يغطي المرتبات بالكاد.
إنه ليس تشاؤما، ولكن علمتنا منحنيات أسعار النفط طيلة العقود الماضية بأن الأسعار يمكن أن تهبط بكثير وبضربة واحدة من الحظ التعيس، عندها ماذا يتبقى للباب الثاني والثالث إلخ من الميزانية.
أكرر، وأقول إن سعر برنت هبط إلى أقل من 20 دولارا للبرميل خلال السنوات القريبة الماضية وبسبب فائض في العرض اليومي بحوالي 3 ملايين برميل فقط، وهذا ببساطة سيتكرر نتيجة ( لعركة واحدة ) لينتهي OPEC PLUS.
لا ننسى أن العالم مقبل وبلا هوادة على استخدام الطاقات المتجددة التي سوف تقلل كثيراً من استهلاك النفط الأحفوري، وقد أعلن المدة الماضية أحد مراكز أبحاث الطاقة العالمية أنه خلال السنوات القريبة القادمة سينخفض الاستهلاك العالمي النفطي بـ 5 ملايين برميل يوميا، تصوروا إمكانية تأثير ذلك على الأسعار النفطية.
إنني أشير هنا إلى المخاطر الكبيرة التي تكتنف أسعار النفط وانعكاسها الكبير على دخلنا المتوقع الأحادي المصدر.
راعني أيضا وبشكل عام، أرقام الإيرادات الأخرى في بيان المركزي، إذ تمثل مبلغا لا يزيد على 886 مليون دينار فقط وذلك من الضرائب والجمارك والاتصالات وبنسبة حوالي 1,2% فقط من إجمالي الدخل، وأكاد أجزم بأنها أقل نسبة عالمية في الإيرادات.
ملاحظة أخرى، ما أنفق على التنمية 2,6 مليار دينار فقط (خلال 8 أشهر)، وهو يساوي ما نسبته حوالي 40% مما أنفق على الميزانية التسييرية (سيارات وأثاث إلخ)، فهل هذا معقول؟
كذلك المرتبات في ارتفاع مطّرد، وستصل ـ بعون الله ـ إلى ما يربو عن 60 مليار دينار بنهاية السنة، وهذه اعتبرها بمثابة توزيع للثروة فقط وليست مقابل إنتاجية، ومعظم الليبيين مستفيدون، وهي كارثة بكافة المقاييس الاقتصادية، ولكن عادلة إلى حد كبير (معظمنا يأخذ مرتبه وهو نائم في بيته).
هناك أرقام أخرى صادمة، لا يسع المجال هنا للحديث عنها، وفي مجملها هي أرقام سلبية وذات انعكاسات كارثية على الاقتصاد الوطني على المدى القصير والطويل، منها الدعم السلعي وضرورة معالجة سلبياته، وتوجيهه لمستحقيه ترشيداً للاستهلاك ومنعا للتهريب.
لا نريد الغوص في تحليل كل الأرقام، إلا أنها مؤشرات سلبية يجب علينا أن نقف عندها ونعالجها بعين مصلحة الوطن وأجياله القادمة، وهذا إذا ما أردنا الحفاظ على هذا الوطن ووحدته ووجوده، وفق الله المخلصين الصادقين.
المصدر : صحيفة صدى الاقتصادية