سيبقى تاريخ الصيد يمجد الصيادين مادامت الأسود بلا مؤرخين، من خلال هذا المثل أعرب الكاتب والباحث السياسي نزار كعوان عن دوافعه وشريكه عبدالرزاق العرادي التي دفعتهما إلى كتابة كتاب (السياسة و لعبة الأمم في ليبيا -العدوان على طرابلس) ليؤرخو به زمن العدوان على العاصمة طرابلس عام 2019 وما لحق هذا العدوان من أحداث في سرد مشوق ودقيق لهذه الحقبة الزمنية من تاريخ ليبيا الحديث.
ثلاثة أعوام
ثلاثة أعوام نالها الكتاب من عمر الكاتبان في البحث والتمحيص في رحلة شاقة ومضنية ليخرجا بكتاب يوثق مرحلة العدوان على طرابلس من 480 صفحة في 9 فصول تتركز على توثيق المواقف الدولية إبان العدوان والانتهاكات حتى العودة إلى طاولة الحوار السياسي بعد أن وضعت الحرب أوزارها وتيقن الجميع أن الحسم العسكري لصالح أحد الأطراف يكاد مستحيلا.
الكتاب جمع بين الرواية والتحقيق الاستقصائي والتحليل مستعينا بأكثر من 260 مرجعا عربيا وانجليزيا ووثائق سرية تنشر للمرة الأولى.
فريق مساند
التوثيق لمرحلة الحرب تطلّب من المؤلفان الاستعانة بفريق ميداني للتنقل بين محاور القتال بشكل دوري لرصد وتدوين التقارير الميدانية ويشتمل كل تقرير على المعارك ونتائجها، وتقدير موقف عسكري، مدعوماً بخرائط ورسومٍ توضيحية وبلغ عدد هذه التقارير 68 تقريرا شاملا.
كما أجرى المؤلفين عددا كبيرا من المقابلات داخل ليبيا وخارجها بدأت بقادة ميدانيين وسياسيين، وانتهت بالمبعوث الأممي غسان سلامة، ونائبته ستيفاني ويليامز.
مشروع العسكرة
في أول فصوله، تناول الكتاب مشروع عسكرة الدولة والثورة المضادة الذي قاده خليفة حفتر عام 2014، من مدينة بنغازي ويشير الكاتبان إلى أن خليفة حفتر قدم نفسه على أنه خصم للإسلاميين لينال بذلك رضا الدول التي تعاديهم وصور نفسه في صورة المنقذ خاصة بعد تزايد وتيرة الاغتيالات فما إن منحته تلك الدول دعمها شن حفتر حرباً على الثوار وخصومه السياسيين فقتل منهم من قتل وهجر من هجر.
ومن المفارقات التي عددها الكتاب أنه برغم من وجود مجموعات مصنفة بالإرهاب في شرق البلاد وفقا لمجلس الأمن الدولي إلا أنها نجت من حرب حفتر وركز الأخير حربه على خصومه السياسيين والثوار لغرض الوصول إلى السلطة بينما فتح ممرات أمنة لعناصر تنظيم الدولة في مدينتي بنغازي ودرنة.
صناعة الحرب وإجهاض السلام
يقول الكاتبان في الفصل الثاني من كتاب السياسة ولعبة الأمم في ليبيا إن الدول المناهضة للربيع العربي وجدت ضالتها في شخص خليفة حفتر فوفرت له الدعم السخي وأغذقت عليه بالمال والسلاح والمرتزقة حتى أصبح الرجل يملك تسليحا يوازي تسليح دولة كاملة يتضمن أسطولا جويا.
ويؤكد الكاتبان أن دعم دول روسيا ومصر والإمارات وفرنسا لحفتر لم يتوقف عند التسليح فقط بل تعداه إلى تدريب جنوده وإمداده بالمعلومات اللوجستية وإلى القتال معه حين تطلب الأمر ذلك.
خليط متناقض
ومن العجب العجاب الذي وثقه الكتاب الخليط غير المتجانس لقوات حفتر.
ومن ضمن ما كُتب: “هذا التناقض يعطي أكبر دلالة على زيف شعارات حفتر إذ كيف ينشد الكرامة من يستعين بفاغنر الروسية ومرتزقة السودان وتشاد والضباط الإماراتيين والمصريين والفرنسيين على قتل أبناء شعبه؟ وكيف يحارب المتشددين من يستعين بداعش وأخواتها من السلفية المدخلية والسلفية المسلحة”.
العدوان على طرابلس ومواقف الدول الكبرى
ينقل الكتاب عن الفترة التي سبقت العدوان على طرابلس واللقاء الذي جمع رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج مع خليفة حفتر في أبوظبي ويقول الكاتبان إن السراج كان متحمساً للاتفاق مع حفتر وإنهاء حالة الانقسام بيد أن عدد من النخب السياسية حذرته من غدر حفتر ونقض عهوده وهو ما رفضه السراج قائلا ” آن الأوان لجمع قوة الشرعية مع شرعية القوة” ولم يكن في حسبان السراج تعرضه لخداع استراتيجي.
ويبين الكتاب أنه برغم عدم أخذ رئيس المجلس الرئاسي الحيطة من حفتر إلا أن النخب السياسية والعسكرية سبقته إلى وضع كل الاحتمالات أمامها للتعامل معها.
وعقب تلك اللقاءات جاء غدر حفتر وأعلن الحرب على طرابلس بعد أن رأى أن الحوار السياسي لايخدمه ولايخدم القوى الدولية والإقليمية التي تدعمه ليلغي رهاناته السياسية ويقدم عليها رهانا عسكريا لفرض أمر الواقع على الليبيين والمجتمع الدولي.
ويرى الكتاب أن الموقف مجلس الأمن والدول دائمة العضوية فيه كان يتراوح ما بين غض الطرف عن حفتر والدعم الجزئي له بمعارضة صدور قرار إدانة لهجومه على طرابلس وقت زيارة الأمين العام للأمم المتحدة لها الذي تقدمت به المملكة المتحدة ويقول إن هذا الموقف حول الملف الليبي إلى دول تتعامل معه بالعلاقات الشخصية وهواجس الأنظمة السياسية بها.
مهمة شوغالي في ليبيا
التلاعب بالانتخابات وتوجيه الكتلة الحائرة من المصوتين لصالح طرف تدعمه روسيا على هذا الأساس أرسلت موسكو مكسيم شوغالي وسامر سويفان الذين قبض عليهما عقب العدوان على طرابلس بشهر واحد.
ويقول الكتاب إن سيف القذافي اقتنص فرصة وجود شوغالي في ليبيا لعله يدعمه للوصول إلى الحكم ثانية وهو ما دفعه لترتيب لقاء مع شوغالي.
ويقول شوغالي عن لقاءه الأول بسيف إنه تفاجأ بسطحية تفكيره وهو ما دفعه لسؤواله عما سيفعل بقتلة أبيه بعد وصوله للحكم إن وصل.
لتحميل الكتاب اضغط على الرابط التالي :