Menu
in

شغف المخالفة

بعض المشايخ الكرام الذين درسوا تحت رعاية أحد التيارات الدينية ورحلوا إليها أو رحلت إليهم، لديهم شَغَفٌ ظاهر بمخالفة ما اشتُهرَ من مسائل الفقه في مدونات المذاهب الأربعة المَرْضِية، ولدى بعضهم ولَعٌ بمخالفة ما تعارفت الشعوب المسلمة عليه، بحجة إحياء السنن وإماتة البدع !

وبعضهم يعيش حالةً من “المظلومية” المُصطنَعة و”الغربة” المُفتعلة ! ثم يروجون هذه المظلومية والغربة والتميز والتفرد بين الشباب المتحمسين الأغرار، فإذا ما شَعَرَ الشابُ أنه يسبح عكس التيار ويخالف أهلَه وعلماءَ الأمصار، سارعوا لتخدير شعوره وتلقين عقله بمقولات مثل :

إن الإسلام سيعود غريباً ” فطوبى للغرباء ” وأن المتمسك بالسنة في هذا الزمن ” كالقابض على الجمر” وأن المسلمَ لا يتّبع الرجالَ إنما يأخذ من الكتاب والسنة، وأن الكثرةَ ليست معياراً للصواب، وأن الجماعة ما وافق الحق ولو كنت”وحدك” !!

وهي مقولات حق وصواب وُضعت خطأ في غير محلها، كأن هذه المدارس الفقهية السُنية العظيمة الضاربة في عمق التاريخ تأسيساً وتدليلاً وتصنيفا وترجيحاً وتنقيحاً ؛ إنما هي حشائش دخيلة نبتت على حواف بساتين الكتاب والسنة، وآراء فطيرة اعتملت في عقل الفقيه دون نَسبٍ صحيح بالوحي، ثم تلقتها الأمة عنهم تقليداً أعمى دون وعي !

ياشباب بالله عليكم توقفوا عن هذا الظن الممزوج بالغرور، وتخلصوا من أَسر الجهل المُركب؛ فأحكام الشريعة المُشتهِرة مرّت عبر حوارات، واستقرت بعد شروح و مدارسات تفوقُ قرارات وتوصيات عشرات المجامع الفقهية التي ترونها من حولكم اليوم، ثم صاغَها الأئمةُ الربانيون في مختصرات بعيداً عن التقعر والتشقيق والتطويل، فظنها الجاهلُ بناتَ أفكارٍ لا صلةَ لها بكتاب ولا نسبَ لها بسُنة !

نحن لا نقول لم يترك الأولُ للآخر شيئا، بل نقول كما قال ابن مالك في التسهيل: بأن العلوم منح إلهية ومواهب اختصاصية وغير مُستبعد أن يُدَّخَر لبعض المتأخِّرين ما عسُرَ على كثيرٍ من المتقدِّمين .

لكن من قلة العقل وسوء الأدب أن تأتي بغرائب الأحكام وتشغل الناس بفرائد النقول وتشكك الناس فيما استقر عليه أمر عباداتهم وعاداتهم وعقودهم ومعاملاتهم بحجة أن فقه علمائهم يخلو من السنن، وأحكامهم دون دليل ، وأن شيوخك جاءوا على قدر بعد أربعة عشر قرنا من الِتيه، ليُنقذوا السنة ويحيوا الأثر ، وليستدركوا الأحكام التي غابت عن أبي حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل والكاساني والعز والنووي والقرافي والشاطبي وابن تيمية وابن قدامة رحمهم الله…

وأن الشهادات الجامعية تؤهلك أنت أو شيوخك كي تكونوا حَكَماً يفْصِلُ بين نزاع الأكارم ، أو معيارا لتصويب ميراث الأكابر .تواضعوا يرحمكم الله، وتفقهوا في دينكم على مُكث، فمن يرد الله به خذلانا يحرمه ” الفقه ” في الدين، ولو حفظ المتون واستظهر الفنون .

كُتب بواسطة إبراهيم العربي

Exit mobile version