يرى الكثيرون أن محافظ المركزي هو الشخص الوحيد الذي يقع على عاثقه تنفيذ قرار مجلس إدارة المركزي المذكور أعلاه .
وهذا صحيح من الناحية القانونية وفقاً لأحكام القانون رقم (1) لسنة 2005 م بشأن المصارف وتعديلاته.
لكن عملياً وفي الحالة الماثلة أمامنا ، فإن الأمر مختلف تماماً ، فالحكومة لها أيضاً دور كبير، بل ومهم جداً في وضع القرار المذكور موضع التنفيذ إذا ما أرادت ذلك وفقاً للمبرارات التالية .
أولاً : الحكومة يقع عليها مسؤولية مكافحة التضخم وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والمالي؛ لرفع معاناة المواطنين عبر استخدامها للسياسات المالية والاقتصادية وتنسيقها في ذلك مع المركزي.
ثانياً: الحكومة هي من تمتلك إيرادات النفط أو إيرادات النقد الأجنبي، والمركزي من خلال المصارف التجارية هو من يبيعها للمواطنين مباشرةً لكافة الأغراض في شكل اعتمادات مستندية وأغراض شخصية، ويقيد إيرادات مبيعاتها بالدينار الليبي لصالحها في حساباتها، في حين يشتري المركزي مباشرةً من الحكومة النقد الأجنبي المتعلق بفاتورة دعم الوقود والأدوية وغيرها من النفقات ويقيد مبيعاتها أيضاً في حساباتها.
وللتوضيح لو أفترضنا جدلاً أن إيرادات النفط خلال سنة ما بلغت 20 مليار دولار، وأن قيمة الاعتمادات المستندية قدرت بـ 12 مليار دولار وقيمة الأغراض الشخصية بـ 4 مليار دولار في حين قدرت فاتورة دعم الوقود والأدوية بـ 4 مليار دولار فإن مبيعات الإيرادات النفطية في شكل مبيعات النقد الأجنبي تكون كالتالي:
1- قيمة الاعتمادات المستندية 12 مليار دولار * 4.48 = 53.670 مليار دينار .
2- قيمة الأغراض الشخصية 4 مليار دولار * 4.48 = 17.920 مليار دينار .
3- قيمة فاتورة دعم الوقود والأدوية 4* 4.48 = 17.920 مليار دينار . أي أن إجمالي قيمة مبيعات النقد الأجنبي تقدر ب 89.500 مليار دينار، وهذه القيمة تقيد في حسابات الحكومة لإنفاقها على المرتبات ونفقات تسير الجهاز الأداري وعلى التنمية وعلى باب الدعم، ويفترض أن يتم ذلك من خلال ميزانية معتمدة.
في حين يقيد المركزي من جانبه الفائض في إيرادات النقد الأجنبي ( لفائض في ميزان المدفوعات) في حساب الأحتياطي الأجنبي أو السحب منه في حالة العجز، وذلك عندما تفوق قيمة المدفوعات من النقد الأجنبي إيراداته.
أي بالليبي الحكومة هي البائع للنقد الأجنبي والمركزي وكيل أو وسيط لها فقط، ومشتري له مباشرة في حالات معينة كالمتعلقة بالاعتمادات الحكومية. وطالما الأمر كذلك فالبائع بإمكانه أن يؤثر وبشكل كبير في تحديد سعر الصرف.
وبالتأكيد لو حكومة الوحدة لديها إرادة جادة ورغبة حقيقية في معالجة مشكلة التضخم لوضعتها في سلم أولوياتها ولكثفت الاجتماعات مع المركزي وطالبته كتابياً بضرورة تخفيض سعر الدولار عند 4.22 وعندها حتماً سيستجيب المحافظ رغم أنه قانوناً ملزم بتنفيذ قرارات مجلس الإدارة طالما صدرت بأغلبية أعضائه لكن للأسف الحكومة لا تضع مشكلة التضخم وارتفاع الأسعار ضمن اهتماماتها وأولوياتها، والدليل اليوم القرار المذكور يدخل أسبوعه الرابع والحكومة لا حس لا مس ولا كأن الموضوع يعنيها لا من بعيد ولا من قريب. وببدو أنها أصبحت تشتغل بعقلية تجارية تهدف للربح لا لتقديم الخدمات وتحسينها وتخفيف معاناة المواطنين فهي ترى أن تخفيض سعر الدولار بمقدر 220 درهم خسارة لها بقيمة 6 مليار دينار .
لكن في الختام يبقى السؤال هو ، كيف للحكومة أن تضغط على السيد المحافظ لتنفيذ القرار الذي تدرك مسبقاً أنه سيقلص إيراداتها و هي اعتادت على التوسع في الإنفاق الذي يصل إلى حد الإسراف والتبذير، بل وتعتبره الإنفاق الأقل على مدى السنوات العشر الماضية؟
نورالدين رمضان حبارات
متابع ومهتم بالشأن الاقتصادي والسياسي