نصت المادة (31) من القانون رقم (1) لسنة 2005م بشأن المصارف، بأن الدينار الليبي هو وحدة النقد في ليبيا، ويحدد المصرف المركزي القيمة التعادلية للدينار بوحدات حقوق السحب الخاصة أو بأي عملة أجنبية قابلة للتحويل وفقاً لقوى العرض والطلب في سوق النقد الأجنبي.
وعلى هذا الأساس فالدينار الليبي هو العملة الرسمية المعترف بها والمعمول في الدولة الليبية وهو أيضاً رمز لسيادتها، فتقديرات بنود الميزانية العامة واعتمادها يتم تقويمها بالدينار الليبي، بما فيها إيرادات النفط التي يتم بيعها بالدولار، وكذلك الحساب الختامي الدولة والقوائم المالية لكافة مؤسساتها.
لكن الغريب في الأمر هو أن حكومة الوحدة وفي مناسبات عدة اعتمدت الدولار الأمريكي كعملة للقياس والمقارنة بشأن بيانها عن الإنفاق العام عن السنة المالية 2021 البالغ حجمه قرابة 86 مليار دينار والذي اعتبرته الأقل على مدى السنوات العشر الماضية؛ استناداً على أن حجم هذا الإنفاق لا يتجاوز ما قيمته 19 مليار دولار أمريكي.
والحقيقة أن هذه مغالطة كبيرة، والدليل قدرة هذه الحكومة على استئناف صرف علاوة الأبناء المتوقفة منذ قرابة سبع سنوات وزيادتها المرتبات لقطاعات وجهات عدة وإعادتها لخصم المرتبات الذي تم استقطاعه خلال مايو من العام 2020م والمقدر بنسبة %20؛ بسبب تهاوي الإيرادات النفطية؛ جراء توقع إنتاج النفط آنذاك ( 2020 م) وهبوط أسعاره إلى ما دون 30 دولارا للبرميل بفعل تفشي وانتشار وباء كورونا.
فضلاً عن إنفاقها لمبالغ تقدر بـ 6 مليارات دينار خصماً من باب الطوارئ، وإنفاقها لقرابة 17 مليار دينار خصماً من باب التنمية إلى جانب إنفاقها لمبالغ على برنامج دعم الزواج تقدر بـ 2 مليار دينار خصماً من باب الدعم.
وصراحةً جميع هذه القرارات أو الالتزامات عجزت الحكومات السابقة عن تنفيذها أو صرفها لعدم توفر الموارد المالية الكافية لذلك، إلى درجة أن حكومة الوفاق الوطني سابقاً أقرت ترتيبات مالية تقشفية للعام 2020م لا يتجاوز سقفها 38،5 مليار ينار.
فكيف يكون إنفاق بحجم 86 مليار دينار هو الأقل؟
وفي الجانب الآخر اعتبرت حكومة الوحدة أنها الحكومة التي استطاعت تحقيق أكبر إيرادات خلال السنوات العشر الماضية بحصيلة قدرها 115 مليار دينار مستندة في مقارنتها على الدينار الليبي في القياس والمقارنة وليس الدولار كما هو في بيان الإنفاق.
وهذه أيضاً مغالطة كبيرة، فالحكومة لم تقم أو تقر أي خطط واستراتيجيات لتنمية الإيرادات العامة بشقيها النفطي والسيادي.
فالإيرادات السيادية عن العام 2021م من ضرائب وجمارك لم تتجاوز حصيلتها 2.350 مليار دينار، كما أن الإيرادات النفطية لم تتجاوز ما قيمته 25 مليار دولار، بما فيها قيمة الإيرادات النفطية المجمدة عن العام 2020م والمقدرة بقرابة 4 مليارات دولار.
وبالتأكيد حصيلة الإيرادات النفطية عن العام 2021م لم تتجاوز حصيلة عامي 2018 و2019م إبان حكومة الوفاق الوطني.
لكن يبقى السؤال ما الذي حدث حتى تصل إيرادات العام 2021م إلى قرابة 115 مليار دينار؟
الجواب بسيط جداً؛ لأنه لم يحدث أي شيء عدا التغير والانخفاض الذي طرأ على سعر صرف الدينار عند 4.48 الدولار بدلاً من 1.40 والذي تم العمل به منذ مطلع العام ذاته (2021)
فقيمة إجمالي الإيرادات النفطية عن العام 2021م والمقدرة بـ 25 مليار دولار تعادل بالدينار الليبي ما قيمته 113 مليار دينار على سعر صرف 4.48، في حين قيمة هذه الإيرادات عن عامي 2018 و2019 تعادل 35 مليار دينار فقط.
لكن في الختام هناك مفارقة مهمة يجب الإشارة إليها، فوفق القواعد والنظريات الاقتصادية زيادة الدخل حتماً ستؤدي إلى زيادة الإنفاق ولو بمعدلات متفاوتة سواء كان يتعلق الأمر بالمواطن أو بالحكومة.
فلو افترضنا جدلاً حكومة ما دخلها 60 مليار دينار وأنفقت 48 مليار دينار، فإن زيادة دخلها إلى 100 مليار دينار يترتب عنه زيادة إنفاقها إلى قرابة 90 مليار دينار؛ بهدف النهوض بالتنمية وإنعاش الاقتصاد وتحفيز الطلب.
وأخيراً فالسؤال، كيف لحكومة تحقق أكبر دخل وإنفاقها هو الأقل؟