in

قراءة في الثقافة السائدة (يوم الفتاشة)


يوم الفتاشة من المواسم السنوية المعروفة في الثقافة الليبية منذ القدم؛ وقد اخترعها الحكماء من الناس؛ لتذكير الناس بمرور الأيام وتعاقب الأعوام، في الزمن القديم لا توجد وسائل أعلام تُذَكِّرْ الناس بتاريخ يومهم ودخول عامهم؛ ولم تكن مسألة إعلان اليوم والشهر بشكل يومي سلوك معروف عند القدماء.

يوم الفتاشة إشارة تذكر الناس بدخول العام الهجري الجديد حتى يعرفوا المناسبات الدينية من الصيام والحج والأعياد كلها مرتبطة بالتقويم الهجري ولا علاقة لها بالتقويم الشمسي.

كان الناس يسبحون في زمن مطلق تتشابه فيه الأيام (كيف أمس كيف اليوم)؛ الشمس تشرق من الشرق وتغرب من الغرب، وكل الأيام سواء بسواء، وأيام الأسبوع تدور على شكل حركة دائرية ونحن ندور معها لنهاية العمر.

يقال في الأساطير الليبية القديمة بأن أهل إحدى الواحات كانوا لا يهتمون بالأيام وعندهم (كل أيام الله سوا سوا) ولكن بعد الفتح الاسلامي اختلط عليهم الأمر حتى اختلفوا في يوم الجمعة بعضهم يقول (اليوم جمعة) وبعضهم يقول (اليوم خميس) البعض يدعو الناس لصلاة الجمعة والبعض الآخر يقول كيف نصلي الجمعة في يوم الخميس؛ ومما زاد الطين بلة عندما اتفقوا على سؤال أول غريب يدخل الواحة؛ قال لهم الغريب (اليوم سبت).

تقول الأسطورة اشتد الخلاف بين المتخاصمين لم يجدوا الحل إلا بعث وفد من مجموعة محايدة للواحة المجاورة للتأكد من اليوم الصحيح سافر الوفد ونظرا لبعد المسافة وعادوا بعد يوميّْن قالوا إن أول أمس كان جمعة.

كان الاحتفال باليوم الأول من كل عام والتذكير به ضرورة دينية لمعرفة توالى الشهور وما يترتب عليها من فرائض مثل الحج والصوم؛ ثم هي درس تربوي لتعليم الناس الإحساس بالزمن وتوالي الأيام والشهور والإعلام وغرس قيم اليقظة والانتباه في عقول الكبار والصغار بأننا دخلنا عاما جديد، ودائما يكون المؤمن كيسا فطنا.

وجد الحكماء القدماء ضرورة تضمين هذه المناسبة مجموعة المسؤوليات والاستعدادات وربطها ببعض التقاليد حتى لا تهمل وتنسى بتعاقب الايام ومرور الزمن مع غرس مبدأ التفاؤل بكل جديد؛ لقصد رفع الهمم وتأكيد العزم بأننا في هذا العام مثلا، لن يدخل بيتنا حزن؛ لأننا وضعنا البياض في كل عتبة حوش؛ ولن نجوع؛ لأننا بتنا الليلة الأولى من العام الجديد شبعانين وبطوننا مليئة بالطعام.

كانت المجاعات تهدد كل المجتمعات على مستوى العالم كان ما ينتجه الفلاح من القمح والذرة والشعير بالمحراث البدائي يكاد لا يكفي غير أهله؛ لم تشبع كل الناس إلا بعد المحراث الآلي (التراكتور) أو الجرار.

كان شبح المجاعات المرعب يطل برأسه كل عام على كل القارات.

الفتاشة مناسبة تستغل لقيم أخرى غير إبعاد شبح الجوع؛ مثل غرس مبدأ نظافة البيت في سلوك كل أفراد العائلة؛ بأننا لا نسمح لأنفسنا أن يدخل العام الجديد على بيتنا وهو غير نظيف وغير مرتب (مضموم).

كانت أمي رحمها الله تقول (ما يشهد علينا العام الجديد إلا بالنظافة والعفافة)..

والفتاشة مناسبة ساهمت في خدمة البيت الليبي، وغرست قيمة النظافة للعائلة الليبية، نعم بعد احتكاكنا بعائلات من دول عربية جاءت لليبيا ودخلنا بيوتهم وجدنا أن المرأة الليبية متفوقة في نظافتها وترتيب بيتها على غيرها.

الفتاشة درس تربوي عملي لغرس

مبدأ (الاستعداد) لكل شيء قادم وسلوك تربوي له قيمة ومبدأ ضروري لمواصلة النجاح في الحياة.

مثلا: عندما نستعد للعام الجديد نتعلم نستعد للسفر، أو نستعد للامتحانات، نستعد للشتاء؛ نستعد للعيد، نستعد للضيوف.. نستعد للمعركة..نستعد للعرس..إلخ.

الدراسات الأنثربولوجية تفيد بأن الثراء في محتوى التراث وتنوعه دليل على حيوية أهله وسعة ثقافتهم وتنوع تجاربهم. التراث ليس عبثا وتخلفا كما ينظر له بعض الناس.

يوسف الغزال

البقية تأتي

كُتب بواسطة مرام عبدالرحمن

نادي الاتحاد بطل الدوري الممتاز للمرة الـ 18 في تاريخه

العرفي: “عقيلة” سيزور تركيا الثلاثاء لتقريب وجهات النظر وسيدعو “أردوغان” لزيارة ليبيا