تقارير جديدة وقاعدة بيانات عامة تكشف كيف تسرق ملايين الدولارات من الليبيين بإستمرار من الصناديق العامة عبر إعتمادات مستندية مزورة.
تبرز النتائج الحاجة إلى أن تكون الشفافية المالية في قلب حوارات السلام في ليبيا ورقابة أكبر على المصارف المركزية على الصعيد العالمي وتعزيز معايير العناية الواجبة للمصارف المراسلة في المملكة المتحدة وعلى الصعيد الدولي.
وفي الوقت نفسه، قد تسمح أوجه القصور في قوانين محاربة تبييض الأموال بتدفق هاته الأموال عبر النظام المصرفي المملكة المتحدة.
تكشف جلوبال ويتنس (Global Witness)اليوم كيف يبدو أن ليبيا تخسر ملايين الدولارات سنويا بالاحتيال في استعمال منظومة الاعتمادات المستندية المسيرة من طرف مصرف ليبيا المركزي. هذه الصفقات تمر عبر المصارف المراسلة في قلب الحي المالي في لندن ونظرا للنقائص الموجودة في قوانين محاربة تبييض الأموال، تركت المملكة المتحدة ونظامها المصرفي مفتوحا على مصراعيه للجرائم المالية.
توجه الاعتمادات المستندية دولارات نفط الدولة لتمويل الإستيراد الذي تعتمد عليها ليبيا ويوفر الإمداد الرسمي الوحيد للعملات الأجنبية للشركات الليبية والسلطات العمومية لشراء المنتجات الغذائية، الأدوية، المعدات والخدمات من الخارج. ومع ذلك تتعرض المنظومة لسوء استعمال على نطاق واسع منذ ثورة 2011 من طرف مصالح قوية في ليبيا من بينها الجماعات المسلحة، رجال أعمال وشخصيات سياسية تحسب على كل الأطراف في الحرب الأخيرة.
بالإستناد على الإقرارات المالية المنشورة على الفيسبوك من طرف مصرف ليبيا المركزي، أنشأت جلوبال ويتنس (Global Witness) قاعدة بيانات قابلة للبحث وتحتوي على الإعتمادات المستندية التي تقارب قيمتها 2.5 مليار دولار والتي نشرت على مدار 13 أسبوع ما بين أفريل وجويلية 2020.
“التحقيقات وقاعدة البيانات الغير المسبوقة التي قمنا بها تلقي الضوء على تدفق الأموال عبر منظومة الإعتمادات المستندية الليبية وتكشف حجم الإحتيال وتتبع كذلك أثر هذه الأموال من ليبيا إلى لندن وإلى ما أبعد،” حسب Colin Tinto, خبير استشاري لدى جلوبال ويتنس (Global Witness) .
بإستعمال قاعدة البيانات المنشئة مجددا بالإضافة إلى استجواب مصادرنا من رجال أعمال ومسؤولين حكوميين سابقين بالإضافة إلى مجموعة واسعة من مواد عامة وأخرى سرية، توصل تقرير جلوبال ويتنس (Global Witness) Discredited، إلى ما يلي:
خلال هذه الفترة أموال الاعتمادات المستندية كان تخرج من ليبيا بسرعة فاقت كمية السلع الداخلة، ما يشير على الأرجح إلى جريمة مالية سارية التي تكلف الكثير للخزينة العامة الليبية. على سبيل المثال قيمة الإعتمادات المستندية المعتمدة لاستيراد اللحم على مدار 13 أسبوع فاقت القيمة السنوية لاستيراد اللحم إلى ليبيا لكل من سنة 2016 ،2017 و2018 كل على حدة.
وصفت مصادر أشكال عدة من التعديات على منظومة الإعتمادات المستندية بما في ذلك التلاعب بالتسعير التجاري، تبييض الأموال، الإحتيال في المشتريات العمومية والتحكيم بشأن تباين سعر الصرف الليبي، خلق أرباح غير مشروعة من المال العام.
تمتد التساؤلات حول تسيير الإعتمادات المستندية إلى المشتريات الحكومية حيث تقريرنا يتقصى كيف حول إعتماد مستندي لمولدات طاقة بقيمة 110 مليون دولار إلى شركة إماراتية لا صلة لها بالمشروع عن طريق تغيير طفيف في اسم الشركة المتعاقدة. شرع في تسديد المبلغ عبر مصرف مملوك لليبيا في لندن قبل ان يوقف الإعتماد المستندي “للإشتباه في وجود فساد”.
معظم الإعتمادات المستندية الليبية تدخل المنظومة النقدية الدولية عن طريق مصرف International PLC ABC الذي مقره في لندن وهو مصرف تجاري مملوك بشكل غير مباشر من طرف مصرف ليبيا المركزي ويرأسه محافظه الصادق الكبير. منصب كهذا غير مناسب إلى حد كبير لمحافظ مصرف مركزي وهو تضارب صريح في المصالح بالنظر إلى سلطة المحافظ الكبير على قوانين الإعتمادات المستندية ومكافحة تبييض الأموال في ليبيا.
القوانين البريطانية لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب تحتوي على ثغرات خطيرة بخصوص “المصارف المراسلة” وقد تجعلها غير فعالة في تحديد الإحتيال في مجال تمويل التجارة، تمويل النزاعات وغيرها من أنواع الجرائم المالية.
تأتي الإكتشافات التي وصلنا إليها بينما ليبيا في مفترق الطرق، حيث هناك مسعى لتوقيف إطلاق النار ومحاولات جارية لتشكيل حكومة جديدة والإنتخابات الوطنية المقرر اجراؤها في آخر السنة الحالية. بعدما أن نما نفوذه الصارخ على الإنفاق العام يجد مصرف ليبيا المركزي نفسه في قلب صراع مؤسساتي على السلطة بشأن حسابات البلد بالعملة الأجنبية والحصول على عائدات النفط والغاز.
“من الواضح أن منظومة الإعتمادات المستندية الليبية تعرضت لسوء استعمال على نطاق واسع وإن الشعب الليبي هو الذي يدفع الثمن” حسب ما قال Tinto.
وفيما هو أبعد من ليبيا إكتشافاتنا سلطت الضوء على تنامي التوتر على الصعيد الدولي بين استقلالية المصرف المركزي والرقابة. فمن ضوابط رأس المال والصرف إلى عمليات إنقاض القطاع المصرفي عقب انهيار سنة 2008، تعمل المصارف المركزية بشكل متزايد كقنوات للتصديقات المباشرة للنقد دعما للإقتصادات الوطنية. هذه الظاهرة تسارعت بشكل واضح خلال جائحة Covid-19 في بلدان عدة ومع ذلك آليات المصارف المركزية للرقابة والمحاسبة لم تتمكن من مواكبة التوسع السريع لدورها.
” مع انتفاخ كشوف حساباتها واتساع نطاق عملها، اصبحت المصارف المركزية عالميا تضع مبالغ أكبر من أي وقت مضى من المال العام في أيدي القطاع الخاص” حسب Tinto. كما أضاف “ويحق للمواطنين الحصول على قدر أكبر من المحاسبة والشفافية من المصارف المركزية لضمان معرفة كيف يصرف المال العام”.
ويثير أيضا التحقيق الذي قمنا به تساؤلات حول معايير “العناية الواجبة” المتوقعة من طرف المصارف المراسلة في لندن التي تقوم بنقل مبالغ ضخمة عبر الحدود. غير أن الثغرات الموجودة في القوانين المالية البريطانية لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب – خصوصا بشأن الملكية المصرفية – لا يترك لنا إلا القليل من الثقة في أن يتمكن النظام من تصفية الإعتمادات المستندية المزورة والتي استعملت في تبييض الأموال أو لها علاقة بالجماعات المسلحة.
” ينظر إلى المصارف المراسلة على انها نقطة الضعف في الدفاع الدولي ضد تبييض الأموال ومكافحة الإرهاب بما في ذلك المملكة المتحدة. الحكومة البريطانية جادة في وقف عائدات تبييض الأموال، تمويل الصراعات والجريمة المنظمة من التدفق إلى قلب الحي المالي ، لابد ان تتخذ إجراءات لتعزيز معايير العناية الواجبة للمصارف المراسلة في لندن” حسب ما قال Tinto.
تدعو جلوبال ويتنس (Global Witness) أيضا السلطات العمومية في ليبيا لتضع الشفافية المالية في قلب حوارات السلام، بدءا بمنظومات التسديد كالإعتمادات المستندية وسيكون ذلك ضروريا للمساعدة في بناء الثقة في المؤسسات العمومية حيث أن ليبيا تقف في لحظة محورية سياسيا وإقتصاديا.
“نحن ننشر قاعدة البيانات المفتوحة المصدر على أمل أن تتمكن الأجهزة الليبية المعنية بتنفيذ القانون، الصحافيين والمواطنين من استخدامها لتتبع آثار المال العام وبالتالي حتى يكون هناك قدر أكبر من المحاسبة في منظومة الإعتمادات المستندية” حسب ما قال Tinto.
“يعتبر الكشف عن الإعتمادات المستندية التي أصدرها مصرف ليبيا المركزي حتى الآن خطوة إيجابية. ينبغي للمصرف المركزي والسلطات الحاكمة في ليبيا أن تتبنى هذه الخطوة من خلال نشر بيانات الإعتمادات المستندية وفقا لمبادئ البيانات المفتوحة، نشرالإعتمادات المستندية للقطاع العام وإظهار الوجهة النهائية لجميع أموال الإعتمادات المستندية وهو أمر بالغ الأهمية للحد من التدفقات المالية الغير الشرعية” اختتم Tinto.