يتطلع الليبيون ودول العالم هذه الأيام إلى ملتقى الحوار السياسي الليبي المنعقد في جنيف السويسرية؛ لإنهاء المارثون السياسي الذي بدأ ما أن توقف العدوان على طرابلس؛ لغرض إحداث تغيير جذري في السلطة التنفيذية المشلولة في ليبيا؛ للقضاء على مبررات أي اقتتال مستقبلي، وللوصول إلى سلطة تنفيذية توحد المؤسسات، وتنهي الانقسام، وتقوم بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية قبل نهاية هذه السنة.
حظوظ النجاح
لا يسير كثير من المراقبين إلى التفاؤل حول مدى نجاح هذه السلطة، صحيح أن حكومتي الثني والسراج قد أصابتهما الشيخوخة السياسية وبعضا من العزلة الدولية، ولكنهما قد فرختا ديناصورات كثيرة وعقّدت كثيرا من الجوانب الإدارية والخدمية وأصبح مجرد معالجة إفساد ما صنعتاه يحتاج لسنوات لا لأشهر، ناهيك عن تدخل إقليمي خطير على الأرض، ويتمثل بتوغل إماراتي روسي في الأراضي الليبية، وتحديدا في منابع ومصاب النفط الليبي، كما أن اعتماد السلطة الليبية الجديدة قد ينهار بفيتو روسي في مجلس الأمن في حال كانت الشخصيات مناوئة لتطلعاتها.
السلطة القادمة مهددة بأن تصاب بالجمود الكامل إذا نظرنا لأسماء الشخصيات المترشحة ومدى تباين مواقفها بين حزب الكرامة والوفاق من جهة، وبين دول داعمة لهذه الشخصيات من جهة أخرى، هذا إضافة لوجود تباين إقليمي محلي حقيقي بين الأقاليم التي تدعي التهميش من جهة وبين إقليم مهمش فعلا وبين إقليمٍ جريح من حرب دامت 14 شهرا على تخومه، كل هذه الظروف قد لا تشجع على التفاؤل إلا في حال حصول تلك السلطة على دعم دولي غير مسبوق، و هذا أمر قد يرتابه الشك؛ نظرا لتباين الرؤى الدولية حول ملفات إيران والتطبيع مع إسرائيل, والتغلغل الروسي في المياه الدافئة شرق وجنوبي المتوسط، وموقفهم من ليبيا التي تختلف إلى وجهة نظر أوروبا, والولايات المتحدة وروسيا ودول الخليج وتركيا ومصر والجزائر.
كل ما سبق لا ينفي رغبة أمريكية في حلحلة الملف الليبي في عهد الديمقراطيين وإصلاح أخطاء أوباما وكلينتون، ومحاولة تدارك تماهي الجمهوريين عن طريق ترامب مع تغلغل الروس في سوريا وليبيا، لكن حتى الآن لم تظهر معايير الحكم على عهد بايدن؛ لأن التنسيق لتشكيل سلطة تنفيذية موحدة بدأ التنسيق له في عهد ترامب، وليس بإمكاننا الحكم على فترة بايدن بتصفير إشكالات الشرق الأوسط التي عادة ما تستأثر باهتمام البيت الأبيض.
مناورات الترشح
وضعت البعثة الأممية وملتقى الحوار وأعضاؤه معايير عالية للاستئثار بمناصب الرئاسي والحكومة، ويبدوا أن الأمور ستسير إلى مرحلة القوائم والتي لابد فيها من تصادم أطراف النزاع وإذابة الخلافات بينهم، وإنهاء الرمزية بينهم فالمترشح من هذا الإقليم لابد ان يتحالف مع آخر من إقليم آخر قد يختلف معه سياسيا وايدولوجيا مما قد يرفع سقف التفاؤل لإذابة كافة العراقيل أو بإحباط المتفائلين بتحقيق سلام بارد ثم يعود الاحتراب والاستقطاب لذروته وربما يصل للانفصال.
الفوز بترشح القائمة يلزم على المتحالفين البحث عن الحليف القوي في المجامع الانتخابية ولملمة الأصوات المبعثرة قدر الإمكان؛ للوصول إلى سدة الرئاسة في المجلس الرئاسي، لابد أن تحضر البراغماتية وأن تتصدر الدبلوماسية وربما المحاصصة والوعود ما بعد الفوز للآخرين لنيل المبتغى، وشخصيا أستبعد فوز أي قائمة من المرحلة الأولى, وأن الجولة الثانية ستكون جولة كسر عظم بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
على الورق قد نشهد تحالفا لعقيلة صالح ( رئيس مجلس النواب بطبرق ) الاكثر أصوات ا في مجمع برقة الانتخابي مع خالد المشري ( رئيس المجلس الأعلى للدولة بطرابلس ) الفائز بأكثر أصوات المجمع الانتخابي طرابلس، ولكن هل سيتحالف معهم عبدالمجيد سيف النصر ( سفير ليبيا في المغرب) الفائز بمجمع فزان الانتخابي، إضافة لفتحي باشاغا ( وزير الداخلية الليبي) المرشح لرئاسة الحكومة، لكن هذه القائمة لن تكون وحدها فمن المتوقع تحالف محمد الحافي القمودي ( رئيس المجلس الأعلى للقضاء ) والمقرب من فائز السراج رئيس حكومة الوفاق مع الشريف الوافي مرشح حفتر مع سيف النصر ايضا أو عمر أبوشريدة عن إقليم فزان بالتعاون مع أحمد امعيتيق المترشح لرئاسة الحكومة ( ونائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق) ، وهنا سيكون الحسم للأصوات المبعثرة لشخصيات دعمت المنفي من برقة أو النمروش من طرابلس وغيرهم.
رؤية الليبيين لمجريات الملتقى
يراقب الليبيون الملتقي بين حزنٍ يعتصرهم أن أمرهم قد أصبح بيد دول إقليمية أو أشخاص غير منتخبين أو انتخبوا وعفى عن صلاحيتهم الزمن وبين تفاؤل بتشكيل حكومة تنهي الانقسام وتقدم الخدمات وتوصلهم لانتخابات لطالما انتظروها، ومما يحزنهم أيضا ازدحام المشهد المستقبلي بالشخصيات التي مارست السلطة منذ سنوات دون أي تقدم أو من كانوا سببا في معاناتهم دون أن يجدوا أي بد في محاولة الخلاص منهم أو إشهار طلاقهم بهم.
كما يتخوف الليبيون من أي نزاع قد يحصل مجددا حال تهميش أي طرف أو إضافة حكومة ثالثة للبلاد خاصة وأنه لا تصريحات رسمية لا شرقا من الحكومة المؤقتة ولا غربا من حكومة الوفاق بتيسير أمور عمل الحكومة الجديدة، ومدى تعاطي مجلس النواب ومجلس الدولة معها ومدى ارتداع التشكيلات المسلحة شرقا وغربا لإنقاذ سلطات هذه الحكومة.
كما ان الانقسام المصرفي والمؤسسة الوطنية للنفط ودول الجوار والدول الإقليمية والموقف الروسي قد يكون العصا التي توقف عجلة مسار هذه الحكومة وتزداد بها هموم المواطن كما حدث لحكومة السراج في عام 2016 حينما رفض الشرق والجنوب التعاطي معها رغم أنها اكتسبت الشرعية الدولية.
من رؤيتي لمسار الأحداث وسير عجلة الحوار فإن هناك إصرار ا دوليا ورغبة محلية، لكنها قد تنهار في أي لحظة؛ لأن برودة جنيف لا تتقارن مع لفح الصحارى الليبية وأن عجلة الزمن كفيلة بإجلاء كل الضباب حول المستقبل.