أثارت مطالبة هيئة الأوقاف المركز الوطني للمحفوظات والدراسات التاريخية بإخلاء المركز، غضب إدارة الأخير التي رأت أن ذلك يمثل تهديداً لملايين المخطوطات والوثائق عن تاريخ ليبيا الحديث والمعاصر.
شبكة الرائد الإعلامية زارت أكبر المراكز البحثية في البلاد المعنية بالتاريخ والهوية الليبية، والتقت الأستاذ “علي عمر الهازل” الذي يعد أحد أعمدة المركز، وعضواً في مجلس إدارته، وناطقاً باسمه، وأجرت حواراً، هذا نصه …
نبدأ الحوار بالتعريف بالمركز وتأسيسه، والمهام التي أُسّسَ من أجلها؟
المركز افتُتِح رسمياً في أكتوبر عام 1978م، وكان مقره بمنطقة حي الأندلس بجوار فندق الشاطئ، المركز بدأ بـ 5 كتب، الآن لديه نصف مليون كتاب في مكتبته، 90٪ من الكتب تهتم بتاريخ ليبيا بمختلف اللغات، كما أن المركز الآن يحتوي على 27 مليون وثيقة بين أصل وصورة، من العهد العثماني الأول حتى الآن، كما أن المركز أيضاً به 10 آلاف شريط كاسيت بها 10 آلاف ساعة، تحتوي على 15 ألف مقابلة شخصية مع كبار السن الذين عاصروا حركة الجهاد، أو قاتلوا ضد الإيطاليين، إضافة إلى ذلك يضم المركز استبيانا، وهذا ما دفع إيطاليا للاعتراف وقبولها دفع تعويضات؛ جراء ما لحق بالشعب الليبي من أضرار، هذا الاستبيان يصل عدده إلى 100 ألف كراسة، تتضمن مقابلة 100 ألف عائلة في ليبيا.
ماذا تمثل العائلات التي جرى مقابلتها، هل تلك التي تضرر أبناؤها من العدوان الإيطالي أم ماذا؟
الاستبيان يغطي المتضررين حتى من الاحتلال الفرنسي والأنجليزي والأمريكي، أي أن الاستبيان يشمل الأضرار التي لحقت بالشعب الليبي من 1911 إلى 1970م، ويضم الاستبيان 13 استمارة حصرت الشهداء، والجرحى، والمنفيين، والمهجرين، وأضرار المزروعات، والأضرار البيئية والثقافية، والآن نُشِرت نتائج الاستبيان بعدة لغات.
كما أن المركز لديه الآن 120 ألف صورة لمختلف مناحي الحياة في ليبيا، ولكل المدن الليبية، إضافة إلى ذلك فالمركز به 15 ألف مخطوط باليد، و16 ألف خريطة منذ الاحتلال الإسباني في 1510م إلى الآن، جميعها وثائق تاريخية، كما أن المركز نشر أكثر من ألف كتاب، عن مختلف تاريخ ليبيا، أو عن مختلف المراحل التاريخية التي مرت بها ليبيا، وللمركز 4 فروع، فرع في بنغازي، وهو بالمناسبة جرى الاعتداء عليه.
هل تقصد اعتداء مما يعرف بـ “معركة الكرامة” التي شنها خليفة حفتر هناك أم ماذا؟
للأسف من اعتدى هي مؤسسات المجتمع المدني، التي عبثت بمحتوياته ومقتنياته، من كتب ووثائق.
عودا على بدء، لدينا فروع أخرى في غدامس وسبها وهي فروع عامة تجد بها معلومات عن حركة الجهاد، فضلاً عن وثائق ومخطوطات، مثلاً في غدامس لدينا 2000 مخطوط، تم التعامل معها بأخذ نسخة عبر أقراص ممغنطة.
هل تحتفظون بنسخ منها في مقر المركز الرئيس في العاصمة طرابلس؟
التعامل مع المخطوط أمرٌ ليس بالسهل، وهو يحتاج إلى حرفية، بقاؤه في مكانه هو الأفضل.
المركز حمل أسماء سابقة، آخرها ربما “مركز جهاد الليبيين”، ما الذي تغير، هل المسمى فقط، أم شهد تغييرات أخرى؟
المركز مر بعدة مراحل في تغييره، مسماه عند تأسيسه كان “مركز دراسات التاريخ”، ثم بعد ذلك تغير اسمه إلى مركز جهاد الليبيين ضد الغزو الإيطالي، ثم إلى مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية، آخر الأسماء هو المركز الوطني للمحفوظات والدراسات التاريخية، وبالمناسبة كل التسميات كانت في ظل النظام السابق.
ما الغرض من تغيير مسمى المركز، لا سيما أنك أحد أعمدته وأبرز الباحثين فيه؟
طبعاً الغرض عندما اعترفت إيطاليا بفترة الاستعمار، ووقعت اتفاقية شراكة، هنا ترآى للنظام السابق أو المسؤولين عن الدولة حينها، أنه لا يجب أن يكون المركز ضد إيطاليا، لكن المركز الوطني للوثائق والمحفوظات له علاقة بعاملين، العامل الأول سياسي، وهو اعتذار إيطاليا واعترافها بما اقترفته تجاه الليبيين، والثاني نقل وثائق السرايا “الأرشيف العثماني” الذي نقل إلينا في عام 2010م لذلك تغير مسمى المركز، إلى المركز الوطني للمحفوظات والدراسات التاريخية.
ما الذي حصل مؤخراً بين المركز الوطني للمحفوظات والدراسات التاريخية والهيئة العامة للأوقاف؟
هذه ليست المرة الأولى التي تعتدي فيها الأوقاف علينا، الخلاف بيننا وبين الأوقاف يتركز على نقطة واحدة، وهي الملكية، ونحن لم ننازع الأوقاف على الملكية لا في السابق ولا الآن، خلافنا في الإيجار، نحن نقيم هذا المركز على أرض تقول الأوقاف إنها لها، في الواقع نحن شركاء مع الأوقاف في الأرض؛ لأن هذا المركز نحن أنشأناه بأموال الليبيين، ولم تبنه الأوقاف، بل عندما بني هذا المركز، لم تكن موجودة الهيئة العامة للأوقاف على الإطلاق.
أنا لا أنازع الأوقاف في الملكية، لا يوجد مشكلة في الملكية، ولا يعنينا في المركز ملكية الأرض، من يقول نحن نملك الأرض فهو حر، لكن ما يعنينا نحن هو المبنى، فعندما أقمنا المبنى على الأرض، أصبحنا شريكا في الأرض، ولذا لا يحق للأوقاف أن تبتزّنا.
ما الذي تريده الأوقاف بالضبط؟، هل تريد رسوم إيجار، أم إخلاء المركز، أم ماذا؟
إذا نظرنا إلى الإنذار الذي أرسلته الأوقاف لنا فهو والعدم سواء، هذا بوجهة نظري؛ لأن الأوقاف تريد منا إخلاء المركز في 3 أيام، وإذا لم نخرج سيأتي مأمور الضبط القضائي، ويحصر ما هو موجود فيه، وتتصرف هي بعد ذلك دون اللجوء إلى المحاكم، كلام جميل، لكن الأوقاف لم توضح ما الإخلاء الذي تريد؟، هل تريد أن نُخلي الوثائق والكتب والسجلات والموجودات؟، أم تريد إخلاء المركز بالكامل؟، وتريدها أن نُبقى أرض فضاء؟، بمعني هل تريدنا أن نُخلِيَ الوثائق ومعها البلاط والنوافذ وخراطيم الصرف الصحي، والأشجار التي غرسناها، والمباني الجانبية التي أنشأناها؟، هل هذا ما تريده الأوقاف؟، حتى الآن لم توضح الأوقاف ما الذي تقصده من إخلاء المركز في 3 أيام .
ما الذي استفزكم بالضبط من هيئة الأوقاف؟
الذي استفزنا صراحة محاولة الهجوم على المركز يوم الجمعة الماضي، كانت هناك محاولة بالفعل، وإلا لماذا توجد هذه القوة الآن التي تحمي المركز الآن!
في تصريحات سابقة لك عبر وسائل الإعلام، لوّحت باللجوء إلى القضاء لحل الإشكال الحاصل بينكم وبين هيئة الأوقاف، هل تملكون كافة الأدلة التي تضمن حقوقكم؟
نعم، لدينا وثائق، تشير إلى أن هذا الموقع كان مقبرة، والمقابر ليست في عهدة الأوقاف، وإنما بحسب القانون الليبي أحيلت إلى البلديات، المكان الذي فيه نحن الأن كان يسمى بـ “مقبرة العرضاوي”، تكاد تكون معروفة بمسمى مقبرة الغرباء، في عرفنا نحن الليبيين من ليس لديه من يدفنه، تقوم البلدية بدفنه وليس هيئة الأوقاف، وهذا يعزز حديثي بأن البلديات هي المسؤولة عن المقابر.
محتويات المركز الذي يحتفظ بذاكرة الوطن وتراثه وهويته، هل هي مهددة أكثر من أي وقت مضى؟
يقيناً هي ليست مهددة، لكن سؤالك هذا يحمل إجابتين، خوفنا الآن ليس من الاعتداء من الخارج، خوفنا للأسف من عدم الاحتفاظ بنسخة من أغلب وثائقنا عبر أقراص ممغنطة، بدأنا العمل بإمكانيات بسيطة، وتوقفنا فيما بعد.
أين هي الدولة الليبية التي تملك هذا المركز، ألا تنظر له بعين الاهتمام؟
سؤالك هذا وجهه إليهم ولا توجهه لي، لدينا مخاطبات عديدة، وقد زارنا رئيس المجلس الرئاسي “فايز السراج” وقد منحنا مليون ونصف المليون قبل 3 سنوات، تم الافراج عنها هذه الأيام وقد تم إرسالها إلى ألمانيا لجلب آلات لإدخال كل ما لدينا في شبكة الانترنت.
هناك من يُرّوج بأن تركيا هي من تقف وراء ما حصل للمركز الوطني للمحفوظات والدراسات التاريخية، كيف تعلقون على تلك المزاعم؟
نحن لم نلمس ذلك، ولم نقل هذا الكلام، ولم نتهم أي دولة، ومن لديه دليل عن أي دولة أي كانت، تقف وراء ما حصل للمركز فليقدمه إلى القضاء والمحاكم.
هل تتوقعون صدور قرار بصيرورة مقر المركز لهيئة الأوقاف، هل أنتم متخوفون بالفعل من صدور قرار كهذا؟
لا أتصور صدور قرار كهذا، بسؤالك هذا عدت بذاكرتي إلى عام 2010م عندما دخلنا نزاعا قضائياً حول ملكية الأرض، والمحكمة لم تصدر حكماً بأيلولة الأرض والمبنى للأوقاف، وإنما ذكرت أن المركز الوطني للمحفوظات والدراسات التاريخية مستثمر الأرض بإقامته المبنى مقابل 2000 دينار شهرياً، السؤال الآن لماذا يتحول مبلغ 2000 دينار شهرياً إلى 150000 دينار شهرياً، الآن الأوقاف تريد منا أن ندفع 150 ألف دينار شهرياً.
في السابع من يناير الجاري، وجه عميد بلدية طرابلس المركز كتاباً لكم مضمونه أن ملكية الأرض التي أقيم عليها المركز كانت مقبرة، وأنه حسب التشريعات النافذة تعتبر المقابر من أملاك البلدية، هل هذا هو دليلكم الوحيد؟
لدينا أدلة أخرى لن نبوح بها للإعلام، ستوضع في رسم القضاء إذا أُمرنا بالاتجاه إلى القضاء؛ لأننا لن نتجه إلى القضاء مباشرة، نحن الآن أحلنا الإخطار الذي وردنا من الهيئة العامة للأوقاف إلى السادة في المجلس الرئاسي، وأعتقد أن المجلس الرئاسي باشر في مسألة تسوية الوضع مالياً مع وزارة المالية، وجه السيد الرئيس كتاباً لوزارة المالية، للتفاهم أو إيجاد آلية لدفع المترتب عن المركز للأوقاف، الآن السيد الرئيس هل سيحيلها لإدارة القضايا التابعة له، هذا موضوع يخصه، إذا تكفلت إدارة القضايا بإقامة دعوى فبها، إذا أمرتنا نحن بإقامة دعوى فسنقيم دعوى، إذا طلبت إدارة القضايا منا الوثائق فنحن جاهزون للتسليم، لكن لن نسلم ما لدينا إلا لمؤسسة القضاء.