بدون بيان أو مرجع رسمي معلن يمكن العودة إليه، تداولت بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي مساء الثلاثاء خبر اجتماع تقول إنه ضم وزير الدفاع بحكومة الوفاق صلاح النمروش مع قادة وآمري الكتائب العسكرية، واتفقوا فيه على وضع “ميثاق شرف” بعدم اصطدام الكتائب والقوات ببعضها البعض وتشكيل لجنة برئاسة وزير الدفاع للتواصل مع الرئاسي قصد ضمان عدم اصطدام بين قوات الداخلية والدفاع، وأن كل منطقة عسكرية كفيلة بتسليم كل من يطلبه النائب العام، بحسب نص الخبر المتداول ولم تنفه وزارة الدفاع.
أول نقطة أثارت استغراب كل من قرأ الخبر هو مصطلح “ميثاق الشرف”، الذي هو في الأصل تعبير عن عقد معنوي وعرفي بديل بين أطراف مدنية أهلية أو سياسية أو اجتماعية ، لا تخضع لسلطة مؤسسة واحدة ولا لقانون ونظام داخلي يضبط علاقاتها، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تُدار العلاقات داخل مؤسسات الدولة بميثاق شرف، بل بنصوص قانونية وتنظيمية واضحة تتطور حسب الحاجة؛ فما بالك أن تدار به المؤسسة العسكرية والأمنية وهي أداة الدولة في امتلاك السلاح وممارسة العنف المشروع ضد الخارجين عن القانون، لهذا يفترض في مؤسسات الدولة أنها أكثر مؤسسات الدولة انضباطا وخضوعا لمجموعة من القوانين والنظم الداخلية موجودة فعلا لتضبط وتحدد تفاصيل التفاصيل في مسؤوليات وحقوق واختصاصات منتسبيها، و علاقات بعضهم ببعض، ولا تحتاج لمواثيق شرف على طريقة إدارة النزاعات القبلية والاجتماعية.
كما أن ترسانة القوانين التي تحكم المؤسستين حددت لكل من وزارتي الداخلية والدفاع اختصاصها ومهامها وفضائها الذي تتحرك فيه، بالتنسيق الكامل والمستمر بينهما وبين السلطة القضائية، وعليه يبدو من الغريب والشاذ أن تتحدث وزارة الدفاع -فيما نسب إليها- أن الغرض من ميثاق الشرف هو منع الاصطدام بين أجهزة الدفاع والداخلية، لأنه لو حدث نزاع اختصاصات بين أجهزة المؤسستين؛ فهناك نصوص عديدة ضابطة تفصل وتحسم النزاع.
الحديث عن ميثاق شرف بين الكتائب المنضوية تحت وزارة الدفاع والداخلية، يطعن من حيث لا يردي أصحاب الفكرة في أهليتها لأداء مهامها كأداة لإنفاذ القانون، بل يعبر عن حالة فوضى وفلتان، لأنه يفترض أن النظم الداخلية والقانونية عير كافية لمنع هذه الاصطدام الذي تخيله محررو الخبر، وليؤكد مجددا أن ما نحتاج إليه الآن هو بناء مؤسسة عسكرية وأمنية نظامية ومنضبطة، وفرز الذين هم مستعدون للتقيد بالقوانين الداخلية والمهام والاختصاصات والتراتبية القيادية عن اولئك الذين يوجهون لمسارات مهنية أخرى تحفظ لهم كرامتهم وفضلهم في صد العدوان على الدولة والشرعية، وليس استعمال مسمى ميثاق شرف للتغطية على حالة التفكك في مؤسسات الدولة.
وليكتمل المشهد يورد الخبر أن المجتمعين اتفقوا على أن كل منطقة عسكرية كفيلة بتسليم كل من يطلبه النائب العام في حالة أخل بميثاق الشرف، بمعنى أن الأمر يرجع للمناطق العسكرية الذي ينتمي إليه المطلوب قضائيا لتوقفه وتسلمه القضاء، وهو ما يظهر محرر خبر الاجتماع المزعوم جاهلا وغير مستوعب تماما لاختصاصات وضوابط عمل القوة العمومية التي يسخرها القضاء لضبط وإحضار المطلوبين بسبب تهم ومخالفات منصوص عليها، وأنها هيئات شرطية وأمنية معلومة ومحددة المهام، تخضع فقط للقانون والتراتبية القيادية وليست محل توافقات مناطقية تحمي هذا و تسلم ذاك وتترك الثالث لمصيره وقدره.