in

السراج لم ينجح حتى فى الوقت بدل الضائع

دخل المجلس الرئاسي إلى طرابلس في مطلع سنة 2015، واستلم مقاليد الحكم فى كامل المنطقة الغربية وجزء كبير وواسع من المنطقة الجنوبية، أما المنطقة الشرقية فكانت ولا تزال تحت حكم انقلابي عسكري.

وشهد الجميع أن المجلس حظي بتأييد دولي واسع لدرجة أن الأشهر الأولى كان لا يخلو فيها أسبوع من زيارة وفد دبلوماسي أجنبي إلى طرابلس يقدم التهاني والدعم للمجلس الرئاسي وحكومة الوفاق.

هذا التأييد انعكس على الداخل، وتأمل الليبيون خيراً في المجلس الرئاسي وحكومته، وتنفس الجميع الصعداء بعد أن كانت الشرعية مختطفة فى المنطقة الشرقية، واستبشر الجميع وبدأ التواصل الداخلي والزيارات لأعضاء الرئاسي، وتقديم الدعم لهم والمساندة إما بدعمهم معنويا، أو عبر تقديم استشارات وآراء وخطط وبرامج من شأنها المساعدة فى حلحلة الأزمة، وكان هذا التواصل على كل المستويات بداية من الخبرات المستقلة، مرورا بمجالس البلديات ومراكز الدراسات، وصولا إلى بعض الأحزاب كالعدالة والبناء الذي كان من أبرز داعمي الوفاق والمجلس الرئاسي ، ولم يتأخر فى تقديم الاستشارات وخطط العمل والمقترحات، بل سخر إمكانياته في التواصل والعلاقات الدولية لخدمة ودعم المجلس وحكومته.

ولكن للأسف، المجلس الرئاسي أمام هذا الكم من التواصل والدعم لم يستطع أن يكون مقنعاً، ولم ينجح فى تسخير كل هذه الإمكانيات لخدمة مشروع الدولة، بل كان ينشر الإحباط ويضيع الجهود بجهل تارة، وبقصد تارة أخرى.

صحيح أنه واجه معارضة من قبل بعض المتشددين الرافضين للحوار منذ انطلاقه، ولكن يبقي سلوك المعارضة ظاهرة صحية، وعلى من يحكم أن يستفيد من أي معارضة للارتقاء بمستوى خدماته وأدا ئه، وليقطع الطريق أمام أي تعطيل لمسيرة بناء الدولة ومؤسساتها،

وهذا ما لم يفلح فيه المجلس الرئاسي، فبدل أن يستوعب المعارضة، قام بتنشيطها وتوسيع دائرتها وارتفاع صوتها عبر تهميش الفواعل الوطنية والخبرات والكفاءات، وإبعاد الخيرين وتقريب المتملقين وإطلاق يد بعض المليشيات والسكوت عن الفاسدين والانشغال في صراعات داخلية كانت تدور رحاها بين الرئيس ونوابه، أنتجت لنا مناكفات داخل المجلس، وأدت إلى تعطيل القرارات وانكماش معدل الاجتماعات للحكومة فى بلد تعيش حالة أزمة على كل الأصعدة.

وبعد كل هذا جاء عدوان المجرم حفتر على العاصمة ليزيد الطين بلة، وتزداد الأمور تعقيدا لأن المجلس الرئاسي لم ينجح فى إدارة البلاد فى السلم حتى يستطيع أن يواجه ويتصدي لإدارة حرب تستهدف الأخضر واليابس فى بلد أنهكتها الصراعات والأحقاد، ولولا حفظ الله ثم شجاعة الرجال الأبطال لكانت الحكومة فى خبر كان، فمعظم أعضاء المجلس الرئاسي وحكومته كان لهم مطار معيتيقة أقرب وأسلم من مواجهة العدوان وإعداد العدة للحرب، وهذا ما جعل الثوار والقوات المساندة والنظامية يتنادون دون انتظار الإيعاز من المجلس الرئاسي، والتفوا على رجال الدولة من أمثال وزير الداخلية فتحي باشاغا واللواء أسامة الجويلي آمر المنطقة العسكرية الغربية، وانتصر البركان وانتهى العدوان؛ لتزداد بنهايته معاناة الليبيين من قتل وتهجير وضياع للأملاك والثروات والحقوق، كل هذا والمجلس الرئاسي مازال يتعامل ببرود قاتل مع أزمة وطن ينزف دما ويصرخ من هول ما حدث فوق الأرض من قتل ودمار، وتحتها فى حفر الموت بترهونة.

هذا البرود يفسره البعض بأن الرئاسي يعلم أنه باقٍ ويصعب تغييره واستبداله؛ بسبب الانسداد السياسي وتعطل دور البرلمان والمجلس الأعلى للدولة اللذين لم ولن يتفقا ويجتمعا لتعديل الاتفاق السياسي.

وهنا تدخل المجتمع الدولي فى خطوة لاقت قبولاً محليا ودوليا ليعالج الأوضاع بعد انتهاء الحرب وفشل انقلاب حفتر، وينفخ الروح من جديد فى ملف الحوار ويطرح تسوية سياسية مبنية على تشكيل مجلس رئاسي جديد وحكومة وحدة وطنية تكون مفصولة بمهامها التنفيدية عن المجلس الرئاسي.

هذا التوجه لم يعجب رئيس المجلس الرئاسي ونوابه، فبادروا بممارسة العرقلة الخفية في نفس الوقت الذي أعلن فيه رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج رغبته في الاستقالة وتسليم الحكم، غير أن البعثة لم تضيع الوقت فى هذه المرة، وكأنها تعلم بأن الاستقالة ما هي إلا مسرحية سمجة، فأطلقت عملية الحوار وجمعت الأطراف ووضعت خارطة الطريق.

ولكن ما عشناه فى مرحلة الحوار الأولى فى الصخيرات يتكرر اليوم ولكن بأسماء أخرى، فاليوم من يشوش على الحوار هو السراج و نوابه وبعض مستشاريه من جهة، وحفتر من جهة أخرى، لأنهم يعلمون جيدا أن أي توافق سياسي جديد تصدر عنه حكومة قوية سيكون بمثابة النهاية لهم ولنفوذهم.

وهو ما جعل السراج يستعين برئيس وزراء إيطاليا ليحمله رسالة إلى حفتر، يعرض فيها عليه صفقة سياسية ترتكز على تشكيل حكومة جديدة يكون رئيسها من الشرق ويدفع به حفتر، إلا أن الأقدار فضحت السراج وتسربت المعلومة عبر الصحافة الإيطالية رغم محاولاته البائسة لإخفاء تفاصيل الصفقة التي جاءت فى الوقت بدل الضائع وأحرجته أمام البعثة والمجتمع الدولي الذي عنفه بسبب هذا التصرف.

في تقديري: السراج ونوابه ضيعوا فرصة النجاح، فهم لم يقدموا شيئا طيلة خمس سنوات، والآن يحاولون عبثا لأنهم استنفدوا وقتهم وصافرة النهاية اقتربت ومن لم يقدم ويفعل شيئاً فى الوقت الأساسي فلن يستطيع أن يكون مقنعا فى الوقت الإضافي.

أخيراً … يبقي السؤال الذي يطرح نفسه لماذا السراج يتمسك بالبقاء فى نفس الوقت الذي يعترف فيه بعدم تحقيقه لطموحات الشعب الليبي ويعلن الاستقالة وترك المسؤولية وتسليم الحكم؟؟

كُتب بواسطة مرام عبدالرحمن

لجنة كورونا: انخفاض معدلات الإصابة ونوصي باستمرار الدراسة

وزارة الدفاع تعلن عن “ميثاق شرف” ينظم العلاقات بين مؤسسات الدولة المسلحة.. أين اللوائح والقوانين؟