ليبيا التي كادت أن تتحول إلى ساحة للصدام العسكري المباشر بين مصر وتركيا العام 2020 من الممكن أن تتحول إلى ساحة للتقارب والتفاهم بين أنقرة والقاهرة في مطلع العام 2021.
وزير الخارجية التركي داود تشاووش أوغلو، ألمح يوم أمس الأربعاء 30 كانون أول (ديسمبر) الجاري إلى هذه الحقيقة في معرض تقييمه لأداء وزارة الخارجية التركية خلال العام 2020؛ فخلال تعليقه على زيارة الوفد المصري الرفيع المستوى إلى العاصمة الليبية طرابلس كشف عن قنوات متعددة لتواصل لم ينقطع بين القاهرة وأنقرة؛ معتبرا أن زيارة الوفد المصري لطرابلس منسجمة مع الطبيعية الحيوية التي تمثلها ليبيا لمصر بقوله “من الطبيعي أن تؤثر الأحداث في ليبيا على جارتها مصر، على غرار تأثر تركيا من تطورات الأوضاع في سوريا العراق”.
ورغم أن تشاووش أوغلو نفى لقاء الوفد المصري وزير الدفاع التركي خلوصي أكار الذي تصادف وجوده في طرابلس مع زيارة الوفد المصري بالقول إنه “من غير الممكن أن يكون لمصر علم بزيارة وزير الدفاع التركي إلى ليبيا”؛ إلا أن تشاووش أوغلو لم ينف وجود اتصالات بين القاهرة وأنقرة.
فتشاووش أوغلو قدم رؤية تركية جديدة متفهمة للموقف المصري في ليبيا؛ الموقف الذي تميز بالحدة أعقاب تقهقر قوات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر من الغرب الليبي؛ واقتراب قوات حكومة الوفاق من مدينة سرت الساحلية والهلال النفطي وواحة الجفرة في الجنوب؛ ما دفع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى التلميح بتدخل عسكري مصري في حال تم تجاوز مدينة سرت والجفرة باتجاه الشرق الليبي.
تصريحات رفعت مستوى التوتر في الساحة الليبية وفتحت الباب لصدام مباشر بين الجيش المصري والقوات التركية الداعمة لحكومة الوفاق الشرعية في حربها مع قوات حفتر والمليشيات التابعة له؛ توتر قاد إلى تدخل دولي أفضى لعقد مؤتمر برلين وثبت خطوط التماس باتفاق للهدنة مطلقا مفاوضات جديدة مدعومة من القوى الأوروبية على رأسها الاتحاد الأوروبي وبريطانيا في حين حيّد وأضعف الدور الفرنسي والإماراتي.
مصر برزت إلى جانب تركيا كلاعب أساسي وراع لبرلمان طبرق وقوى شرق ليبيا المنافسة للحكومة الشرعية في طرابلس؛ فالقاهرة أصبحت ضامنة وضابطة للمشهد السياسي والعسكري في الشرق الليبي من خلال تراجع وتقهقر دور أبو ظبي وباريس لتنتزع القاهرة زمام المبادرة التي كادت أن تفقدها منذ اللحظة الأولى لإطلاق حفتر هجومه على العاصمة طرابلس برعاية من باريس وأبو ظبي رغم التحفظ المصري الذي لم يكن كافيا لوقف الهجوم أو منعه حينها. ليبيا باتت ساحة للتقارب والتفاهم المصري الليبي بعد تحييد أبو ظبي و باريس؛ إذ أنفق وزير الخارجية التركي تشاويش أوغلو جزءا مهما من لقائه مع طاقم وزارة الخارجية بالحديث عن العلاقة المصرية التركية، مشيرا إلى لقائه العام الماضي بوزير الخارجية سامح شكري وإلى تقارب مصري تركي في ملفات معروضة على منظمة التعاون الإسلامي، بل وأكد على وجود اتصالات بين القاهرة وأنقرة بالقول:
إن التواصل مع مصر على الصعيد الاستخباراتي مستمر لتعزيز العلاقات، والحوار قائم على مستوى وزارتي الخارجية”، وأفاد بأن “التواصل بين البلدين يتم أيضا عبر ممثليتيهما في أنقرة والقاهرة”.
التقارب والتفاهمات في الساحة الليبية أسهمت فيها العديد من العوامل والمصالح المشتركة بين البلدين كان من ضمنها امتلاك العاصمتين الإقليميتين القاهرة وأنقرة علاقة إيجابية مع موسكو؛ أحد اللاعبين المهمين في الساحة الليبية إلى جانب لندن التي تبنت سياسة تدعو للتهدئة والتصالح في ليبيا، وكبحت إلى جانب المانيا جماح العديد من القوى الأوروبية المتحمسة لمحاصرة أنقرة وتأجيج الصراع في ليبيا.
ليبيا تحولت من ساحة للتصارع الإقليمي إلى ساحة للتعاون؛ فطرابلس باتت محط اهتمام موسكو وبرلين ولندن تتقاطع فيها المصالح وتتشابك من شرق المتوسط إلى جنوب أوروبا؛ وليس انتهاءا بالساحل والصحراء الإفريقية؛ ليعاد فيها ترتيب موازين القوة لا في ليبيا وحدها بل وفي شرق المتوسط وجنوبه؛ بيد أن استقرار الإقليم يبقى رهينا بالتقارب المصري التركي في ليبيا ما يجعل ليبيا مصلحة مشتركة مصرية تركية.
ختاما: رغم الأهمية الجيوسياسية لليبيا على الصعيد الإقليمي والدولي؛ إلا أنها تحولت لساحة تقارب وتصالح تركي مصري محتملة في ظل الضغوط التي تعاني منها الدولتان؛ تمارسها دول أوروبية متناقضة المصالح كفرنسا وإيطاليا؛ وكتل اقتصاية متنافسة كالاتحاد الأوروبي وروسيا والصين وأمريكا؛ فالتقارب المصري التركي مصلحة مشتركة يقترب من أن يتحول إلى حتمية في العام 2021.
المصدر: موقع عربي 21