عقب الهزيمة النكراء لمليشيات حفتر في المنطقة الغربية وطردها منها في السادس من يونيو الماضي، سارعت الدول الداعمة له لطرح الحلول السياسية، وبدأت في التخلي عنه بعد فشله الذريع وصمود قوات الجيش الليبي ورجالات حكومة الوفاق.
وزير الداخلية فتحي باشاغا كان من أوائل المسؤولين الذين تصدروا المشهد السياسي في حكومة الوفاق خلال فترة العدوان، معلنا موقفه من هذا الهجوم الغادر والوقوف ضده بكل ما أوتي من قوة.
وبعد النصر وهزيمة المشروع العسكري لحفتر دخل باشاغا المعركة السياسية وجاءته الدعوات الرسمية من القاهرة وباريس وموسكو لزيارتها بعد تأكدهم من هزيمة حليفهم حفتر.
الا أن أطرافا بدأت بحملة تشويه لما يقوم به الوزير، مشككة في نواياه رغم أنه كان بالأمس القريب على رأس المتصدين للعدوان.
من هؤلاء عضو دار الافتاء “سامي الساعدي” الذي طالب في منشور له على حسابه الشخصي في فيسبوك بذكر ما أسماها “المصالح الراجحة المرجوة” من زيارة باشاغا لفرنسا.
واعتبر الساعدي أن المفاسد في هذه الزيارة تفوق المصالح ومنها تجنيد طلاب الشرطة، وتجميع المعلومات التي ستتيحها الاتفاقية الموقعة بين الداخلية مع نظائرها الفرنسية، والتي سيستفيد منها وفق قوله حفتر الذي لا زال يحشد ميليشياته للحرب حتى هذه الساعة.
لكن عضو أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين “ونيس المبروك” أكد أن زيارة باشاغا لفرنسا تدخل في باب المعاملات والعاديات تحت فقه ما يسمى بالسياسة الشرعية.
وقال المبروك إنه لا يرى الزيارات الدبلوماسية لفرنسا من قبل مسؤولي الدول الإسلامية منكرا في ذاته، إنما هو فعل سياسي يدور في فلك المصالح والمفاسد، أو تغليب بعضها على بعض، مع بعض الضوابط التي وردت في طيات المقال، وتقدير تلك المصالح يعود بالدرجة الأولى لاجتهاد المسؤولين السياسين، ولا يمنع ذلك من مخالفتهم الرأي في تقدير المصلحة، ولكن دون أن يفضي ذلك لتجريمهم بارتكاب المُحرم، أو نعتهم بخيانة الوطن.
وأضاف ونيس في منشور له على حسابه الشخصي في فيسبوك، اأن إضفاء صفة التعميم أو الثبات على معاملة” العدو أو الخصم “ليس صحيحاً ولا مُتجها، بل هو منوطٌ بالمصلحة التي يقدرها جهازُ الحكم، أو الإمام أو من ينوب عنهم، ولهذا نصَّ الإمامُ ابن حجر رحمه الله على أن “الموادعة لا حدَّ لهم معلوم لا يجوز غيره، بل ذلك راجعٌ إلى رأيِ الإمام بحسب ما يراه الأحظَّ والأحوطَ للمسلمين ” وهو عُرفٌ سياسيٌ في تراثنا الإسلامي؛ قال الإمام القرطبي المالكي “وما زالت الخلفاء والصحابة على هذه السبيل التي شرعناها سالكة، وبالوجوه التي شرحناها عاملة”.
واعتبر ونيس أنه إذا سلكنا مسلكَ التعميم لحرّمنا زيارة روسيا وأمريكا وبريطانيا، وقطع كل العلاقات معها من باب أولى، فلا يخفى على عاقل- حتى إن نسينا أو تناسينا- ما فعلته هذه الدول بأقدس المقدسات وهي دماء المسلمين ومسرى نبينا صلى الله عليه وسلم ، وخيرات بلادنا ! والتفريق في هذا الموضع بين فرنسا وتلك الدول دون وجه صحيح، قد يوقع الفقيه في ما أنكرته الشريعة الإسلامية وسمّاه العلماءُ “التفريق بين المتماثلات” وقد يظهر الفقيه – عاجلاً أم آجلا- بمظهر المتناقض، وفق قوله.