في وقت قالت فيه منظمة الصحة العالمية إن الآمال كبيرة ولقاحات “كوفيد-19” قد تغير قواعد اللعبة، فإن تقريرا في مجلة “فورين أفيرز” (Foreign Affairs) الأميركية قال إن تطوير لقاح ليس سوى الخطوة الأولى في رحلة طويلة نحو القضاء على الوباء.
وقال هانز كلوج المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في أوروبا في إفادة صحفية اليوم الخميس، إن الآمال في لقاحات “كوفيد-19″ كبيرة للغاية و”يحتمل أن تغير قواعد اللعبة”.وأضاف متحدثا من كوبنهاغن أنه من المتوقع أن تكون إمدادات اللقاحات محدودة للغاية في المراحل المبكرة وأن على الدول أن تقرر من يستحق التطعيم أولا على الرغم من أن منظمة الصحة قالت إن هناك “إجماعا متناميا” على أن يكون كبار السن والأطقم الطبية والمبتلون بأمراض مزمنة، هم أول من يتلقون التطعيم.وأجازت بريطانيا أمس الأربعاء لقاح فايزر-بيونتيك (Pfizer-BioNTech) للوقاية من “كوفيد-19″، لتسبق بذلك بقية دول العالم من أجل أن تبدأ برنامج التطعيم الجماعي الأكثر أهمية في التاريخ.وأشاد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بموافقة هيئة تنظيم الأدوية في بلاده على اللقاح بوصفها انتصارا عالميا على الرغم من أنه أقر بالتحديات اللوجستية التي ينطوي عليها تطعيم سكان بلد عددهم نحو 67 مليون نسمة.وتفحص هيئتا تنظيم الأدوية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بيانات تجربة لقاح فايزر ذاتها، لكنهما لم تعطيا موافقتهما بعد.وقالت منظمة الصحة العالمية أمس الأربعاء، إنها تلقت بيانات من فايزر وبيونتيك بخصوص اللقاح وإنها تراجعها من أجل “إدراج محتمل للاستخدام الطارئ”، وهو معيار مرجعي للدول لإجازة استخدامه لمواطنيها.
الخطوة الأولى
وفي تقرير مجلة “فورين أفيرز” المذكور، قال الكاتبان جوش ميشود وجين كايتس إن تطوير لقاح ليس سوى الخطوة الأولى في رحلة طويلة نحو القضاء على الوباء. وهناك المزيد من المهام الشاقة التي تنتظر صانعي السياسات والعاملين في مجال الصحة بعد قيام شركات الأدوية بشحن الجرعات الأولى.اعلانوقال التقرير إنه للقضاء على خطر تفشي المرض في المستقبل، سيحتاج ما يصل إلى 70% من سكان العالم إلى أن يكونوا محصنين ضد فيروس كورونا، وذلك من خلال التطعيم أو التقاط العدوى والتعافي.وبالنظر إلى أن ما يقدر بـ10% فقط من سكان العالم أصيبوا بفيروس “كوفيدـ19” حتى الآن، فإن ذلك يترك لجهود التطعيم العالمية هدفا بعيدا بشكل غير عادي. وسيتطلب تحقيق هذا الهدف عملا باهرا من التعاون العالمي، الذي قد يكون أكثر صعوبة ويستغرق وقتا أطول بكثير مما يدركه معظم الناس.بمجرد أن يتضح أن اللقاح لن يعني الخلاص الفوري من الأزمة، سيلوح في الأفق خطر خيبة أمل شعبية، ومن شأن هذا الأمر أن يعمق الشكوك بشأن اللقاحات في أجزاء من العالم ويزيد من تعقيد التحدي الهائل بالفعل المتمثل في تحصين أكثر من نصف سكان العالم. لذلك، يجب على الحكومات أن تحذر من الإحباطات الشعبية من خلال التواصل بوضوح وتخفيف التوقعات.
مكتنزو اللقاحات
أوضح الكاتبان أنه قد يكون هناك العديد من اللقاحات التي على وشك الحصول على الموافقة، ولكن سيتطلب توفيرها على نطاق واسع في معظم أنحاء العالم مدة لا تقل عن عام. ولقد احتفظت البلدان ذات الدخل المرتفع بالفعل بأول 9 مليارات جرعة أو نحو ذلك من اللقاحات المرشحة الرائدة من خلال صفقات ثنائية مباشرة مع شركات الأدوية.وسيؤدي الوفاء بهذه الطلبات إلى استنزاف الجزء الأكبر من الطاقة الإنتاجية العالمية للقاحات للأشهر الـ12 المقبلة وربما لفترة أطول. كما أن ما يقدر بنحو 80% من جرعات اللقاح التي تتوقع شركتا “فايزر” و”بيونتيك” إنتاجها في عام 2021 محجوزة بالفعل.لم تقتصر جهود الدول الغنية على تركيز نفسها في مقدمة الصف لتأمين الوصول التفضيلي للقاح لشعوبها فحسب، بل قام العديد منها أيضا بتعزيز حظوظهم من خلال تخزين إمدادات لقاحات متعددة مرشحة. وتحتفظ دول على غرار أستراليا وكندا واليابان والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي بجرعات كافية لتطعيم سكانها بالكامل عدة مرات.في المقابل، سوف تجد البلدان منخفضة الدخل نفسها في نهاية الصف، ومضطرة إلى الاعتماد على الآليات التي يمولها المانحون للحصول على اللقاحات. وأكثر هذه الآليات الواعدة هي “كوفاكس” (COVAX)، وهي مبادرة متعددة الأطراف يقودها تحالف ابتكارات التأهب الوبائي والتحالف العالمي للقاحات والتحصين ومنظمة الصحة العالمية، والتي تهدف إلى ضمان الوصول العالمي المنصف إلى لقاحات فيروس كورونا.وقال الكاتبان إن تحديد أولوية التلقيح من بين أصعب القرارات التي سيتعين على البلدان اتخاذها في المرحلة الأولى من التوزيع. ويتفق الخبراء عموما على أن الأولوية يجب أن تمنح للفئات الأكثر ضعفا، وأهمها عمال الرعاية الصحية، وكبار السن، وأولئك الذين يعانون من حالات صحية تعرضهم لخطر الإصابة الشديدة بفيروس “كوفيد-19” وتهدد حياتهم.
لكن ترجمة هذه الإرشادات إلى سياسات قابلة للتطبيق لن تكون مباشرة بالضرورة. وإن مجرد تحديد هذه الفئات وتصميم برامج التوعية استنادا إليها سيستغرق وقتا طويلا ويتطلب الكثير من الموارد، خاصة في البلدان التي لا تحتفظ بسجلات تفصيلية للتركيبة السكانية أو الظروف الصحية. أما شبكات توزيع اللقاحات الحالية فهي مصممة لتصل إلى الأطفال وستكون محدودة الاستخدام في هذه الحالة، إذ لابد أن تقدم لقاحات فيروس كورونا إلى البالغين، على الأقل في البداية.وأضاف الكاتبان أن الصعوبة الأخرى تتمثل في ضمان التوزيع المتكافئ للقاح عبر مختلف المناطق الجغرافية وحسب مستويات الدخل والطبقة الاجتماعية. ومن المرجح أن يكون الحصول على اللقاح يسيرا للأثرياء وسكان المدن والجماعات ذات النفوذ السياسي مقارنة بالفقراء وسكان الأرياف والفئات المهمشة.وذكر الكاتبان أن إقناع الناس بضرورة التلقيح سيكون من بين أهم العقبات، ففي استطلاع حديث أجري بشأن مدى استعداد الناس للتلقيح في 19 دولة من مختلف مناطق العالم، قال 71% فقط من المشاركين إنهم سيكونون مستعدين للتلقيح، وكانت أعلى نسبة في الصين (90%) وأقل نسبة في روسيا (55%).وأظهر استطلاع آخر شمل 15 دولة مستويات مماثلة من قبول اللقاح بشكل عام، مع تخلف سكان أوروبا وأميركا الشمالية عن سكان آسيا وأميركا اللاتينية. ولعل الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن الاستطلاع أظهر أن الرغبة في التلقيح قد تضاءلت في الأشهر الأخيرة من 59% إلى 54% في فرنسا، على سبيل المثال، ومن 72% إلى 64% في الولايات المتحدة.
وأكد الكاتبان أن كل هذه العقبات ستعيق الجهود العالمية لتحصين ما يكفي من سكان العالم للقضاء على فيروس كورونا، ونتيجة لذلك، سيستمر خطر تفشي المرض لفترة طويلة بعد طرح الجيل الأول من اللقاحات، الأمر الذي يتحتم معه أن تظل تدابير التباعد الاجتماعي وتدخلات الصحة العامة الأخرى قيد التطبيق لعدة أشهر مقبلة. ومن الممكن أن يتبع ذلك خيبة أمل، خاصة أن التفاوتات الصحية بين البلدان وداخل حدودها ستصبح أكثر وضوحا بمرور الوقت.يمكن أن تؤدي مثل هذه الإحباطات الشعبية إلى تعميق الشكوك بشأن اللقاحات وتغذي معلومات مضللة أكثر خطورة، مما يضاعف من تحديات إدارة برامج التحصين العالمية. وبعبارة أخرى، فإن خيبة الأمل تهدد بخلق حلقة ردود فعل سلبية تنتهي بتواصل انتشار الوباء لمدة أطول. وبناء على ذلك، يجب على الحكومات أن تكون حريصة على وضع توقعات واقعية حول حملات التطعيم ومراجعة رسائلها العامة بعناية.
المصدر: الجزيرة نت