in

لا تستعجلوا الانتخابات فتُحرَموا ثمرتَها

يتفق الجميع على أن إجراء انتخابات عامة في ليبيا هو المخرج من حالة الصراع على السلطة، ولكن هذا الاتفاق يصطدم بخلاف كبير حول الانتخابات نفسها، فهل تجرى مباشرة أم يمهّد لها بمرحلة انتقالية.

لهذين التوجهين فريق لديه من المبررات والمصالح ما يجعله متمترساً عنده رأيه مصرّاً عليه، وينبغي أن نلحظ هنا أن المبرّرات ليست عند كثيرين إلا غشاءً رقيقاً يغلّف مطامح شخصية ترى في أحد التوجهين هو الأقرب إلى بلوغها.

وإذا نظرنا في دوافع المُنادين بالانتخابات سنجدها تتلخص في أمور:

– الأول: إرجاع الأمانة إلى أهلها، وإعطاء الشعب حقه في أن يختارَ من يمثله ويقرر عنه.

– والثاني: أن الانتخابات هي السبيل الوحيد للتخلص من الوجوه البالية، التي علِقت في دواليب السياسة الليبية، حتى سئمها الليبيون وأجمعوا على رفضها.

– أن المراحل الانتقالية أثبتت عدم جدواها، والحالة الليبية التي قاربت العقد، تُعتبر كلها مساراً انتقالياً حتى اليوم.

للوهلة الأولى تبدو هذه الدوافع منطقية ومقبولة، ولكن عند إسقاطها على الحالة الليبية نجدها تصطدم باعتبارات تجعل من الذهاب إلى الانتخابات مباشرة تمادياً في العبث السياسي، وإصراراً على تعميق الخلاف، وتكريساً لتنازع الشرعية، فالعقبة التي تحول دون إرجاع الأمانة إلى أهلها هي فقدان القاعدة الدستورية التي ستُجرى على أساسها الانتخابات، وقد يعترض معترض فيقول: إن هناك خياراتٍ متاحة لاختيار قاعدة دستورية تجرى على أساسها هذه الانتخابات، من أبرزها الإعلان الدستوري مع مقررات لجنة فبراير 2014، وهذا الخيار سيُعترض عليه بحكم المحكمة الدستورية التي أبطلته، كما أنه أفرز لنا مجلس نواب طبرق، فهل نعيد الكرّة بعد كل هذا الفشل، ومن الخيارات المتاحة أيضاً مشروع الدستور الذي أعدته الهيئة التأسيسية، وهو أيضاً محل خلاف كبير، فقانون الاستفتاء الذي أقرّه مجلس نواب طبرق يوجّه برفض هذا المشروع من خلال تقسيم دوائر الاستفتاء إلى ثلاث دوائر انتخابية هي الأقاليم التاريخية الثلاثة، واشتراطه حصول المشروع على موافقة 51 ‎%‎ من المقترعين في كل دائرة، إضافة إلى حصوله على ثلثي أصوات المقترعين إجمالاً، وهذا اشتراط شبه تعجيزي.

وإن أردنا الرجوع إلى دستور المملكة سنة 1951 أو المعدل سنة 1963، فإنه سيحتاج تعديلات تتعلق بإلغاء المواد الخاصة بالنظام الملكي، وإحلال مواد تتعلق بمنصب رئيس الدولة، وهو ما سيكون محل خلاف واسع أيضاً.

وبهذا فإن إرجاع الأمانة (الانتخابات) إلى أهلها دون أن تكون مصانة بما يجعلها بعيدةً عن التنازع والخلاف على نتائجها ليس إلا خيانةً وتضييعاً لها، خاصة في ظل الانقسام المسيطر على مؤسسات الدولة ومكونات الوطن، وهو ما سينعكس انقساماً وتشظياً في نتائج هذه الانتخابات وإفرازاتها.

ثم إن التذرع بالانتخابات سبيلاً للتخلص من الوجوه البالية التي سئِمها الناس وملّوها ليس إلا خطاباً مخادعاً واستجداءً لعواطف الناس، فإن كثيراً من هذه الوجوه لا يملك أحد أن يمنعها من الترشح، وفي ظل عزوف الناس عن الانتخابات -كما دلّت على ذلك الانتخابات البلدية- فإن فوز هؤلاء غير مستبعد بسبب ارتباطاتهم القوية بجماعات المصالح التي ترى في استمرارهم تأميناً لمصالحها.

وأما التحجّج بأن المراحل الانتقالية أثبتت عدم جدواها، فهي مغالطة تهدف إلى إخفاء الأسباب الحقيقية التي أفشلت المراحل الانتقالية المتعاقبة، ولعل أبرزها المحاور الإقليمية المضادة للتغيير الديمقراطي والساعية لوأد الربيع العربي، وحالة المغالبة السياسية لبعض الأطراف التي جعلها ترتمي في أحضان المشروع العسكري الذي لفظها وقذف بها خارج المشهد، ولعلّ التجربة القاسية التي عاناها الليبيون ستجعلهم اليوم أكثر حذراً والتزاماً في إنجاح ما يتفقون عليه، خاصة بعد انكشاف كل الأوراق، ويقينِ الجميع أن حسم الصراع عسكرياً ليس إلا وهماً في خيالات عجوز خرِف مهووسٍ بالسلطةِ ومستميتٍ عليها.

لهذا فإن التمهيد للانتخابات بمرحلة انتقالية أمر ضروري ينبغي أن يتم فيها توحيد مؤسسات الدولة، وتُعاد فيها الثقة لدى المواطن بجدوى العملية السياسية من خلال تحسين الخدمات وحلّ المختنقات، ويُنجز فيها التوافق على القاعدة الدستورية للانتخابات، وهذا بلا شك ليس مضمون النجاح، ولكنه الطريق الآمن والأقرب إليه، خاصة إن كان مدعوماً بحراكٍ مجتمعيٍ واعٍ يراقب مساره ويحافظ عليه.

تيهوساي: الوضع في الجنوب لم يعد يُطاق ومليشيات حفتر تتحكم في السوق السوداء لتهريب الوقود

مكافحة الأمراض يطلق مبادرة التدبير العلاجي لحالات كورونا الحرجة باستخدام تقنية الاستشارة الطبية عن بعد