تصريح وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو بخصوص استهداف الوجود الروسي في ليبيا هو عنوان عن طبيعة السياسة الأمريكية تجاه توظيف مرتزقة الفاغنر من قبل موسكو لتوسيع نفوذها.
وكتب بومبيو، في تغريدة عبر حسابه في تويتر مؤخرا: “استهدفت الولايات المتحدة شبكة مرتبطة بالعميل الروسي يفغيني بريغوزين تعمل على تعزيز النفوذ الروسي الخبيث في جمهورية أفريقيا الوسطى وليبيا”. وهنا تربط الإدارة الأمريكية بين الفاغنر والنفوذ الروسي بشكل مباشر ومعلن.
ليست المرة الأولى
وليس بجديد استهداف الولايات المتحدة للمرتزقة الروس الذين تستخدمهم روسيا كإحدى الوسائل لتمديد وجودها في مناطق عدة في آسيا وأفريقيا، فقد تم تدمير رتل يضم 34 عنصرا من الفاغنر وقتلهم جميعا قرب “الشويرف” جنوب ليبيا وذلك في كانون الأول (ديسمبر) من العام المنصرم.
وبرغم أن بومبيو خفف من المعنى المقصود من تصريحه باستهداف الفاغنر بقوله إن بلاده ستواصل “تعزيز المساءلة لأولئك الذين يدعمون الأنشطة الروسية الخبيثة”، وفي لفظة مساءلة إيهام بأن الاستهداف ليس بالضرورة ماديا عبر استخدام القوة المسلحة، إلا أن القول والفعل يكشفان عن سياسة أمريكية واضحة تقوم على استخدام القوة المحدودة متى لزم الأمر.
ومن الملاحظ أن تصريح بومبيو جاء بعد يوم من تفجر طائرة مروحية تحمل عددا من عناصر الفاغنر كانت متجهة إلى إحدى الحقول النفطية التي يسيطر عليها حفتر.
وتذكرنا الحادثة والتصريح بما وقع في دير الزور السورية منذ عامين بعد قيام الطيران الأمريكي باستهداف مرتزقة من الفاغنر كانوا متجهين صوب منطقة نفطية تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من قبل واشنطن.
وكشف بومبيو عن الحادثة بشكل أكثر تفصيلا في جلسة التصديق على تعيينه وزيرا للخارجية أمام مجلس الشيوخ الأمريكي، وقال إن فلاديمير بوتين “لم يفهم الرسالة بالشكل الكافي”.
رسائل ليست مشفرة وصمت روسي
ويفهم من الحادثتين والتصريحين السابق الإشارة إليهما أن الولايات المتحدة يمكن أن تصعد من موقفها من الوجود الروسي إذا تجاوز الخطوط الحمر، والخطوط الحمر في الحالة الليبية أن تعزز روسيا من نفوذها داخل ليبيا عسكريا وتحكم قبضتها على مناطق حيوية منها النفط.
روسيا لم تقم برد فعل عنيف لأسباب عدة أهمها أنها تنفي تورطها في ليبيا وتنفي أي صلة لها بالفاغنر، وهذا ما كرره الرئيس ووزير الخارجية ووزير الدفاع من أنه لا يوجد مجندون روس يتبعون القوات المسلحة الروسية أو أي أجهزة أمنية حكومية، وبالتالي فإنه لا حجة للروس لرفض ما تقوم به الولايات المتحدة.
أيضا لا تحتفظ الولايات بأي وجود مباشر أو غير مباشر في ليبيا لتقوم روسيا باستهدافه كردة فعل مكافئة، عليه فإن واشنطن تتحرك في براح يمكنها من استخدام القوة الناعمة والخشنة في محاصرة الوجود الروسي في ليبيا.
بدائل لم تجنح لها واشنطن
قد يسأل سائل: لماذا لا تكتفي الولايات المتحدة بمجابهة روسيا بشكل غير مباشر عبر دعم تركيا المتأهبة لفعل كل ما بوسعها لإخراج روسيا من ليبيا وكسر شوكة حفتر الذي لن يكف عن العدوان؟
والجواب أن واشنطن تريد الرسالة أن تصل واضحة لروسيا من أنها لن تتوانى عن استخدام القوة لمنع تنفيذ مخططها في ليبيا، أيضا لا تريد واشنطن أن يتطور الدور التركي في ليبيا إلى مستوى متقدم ويصبح من أهم الفاعلين فيها، فعدم الرضىا الأمريكي عن نفوذ أنقرة في ليبيا معلوم لكنها لا تستطيع تجاوز وجودها لأهميته في مقارعة روسيا وفي تحجيم الدور الفرنسي أيضا.
ويتساءل البعض: لما لا تتجه الولايات المتحدة إلى فرض رغبتها بإخراج روسيا من ليبيا عبر الضغط على حفتر؟ والجواب أن وجود روسيا يتجاوز نفوذ حفتر وسلطته، كما أن حفتر يرجو أن يحقق له الروس ما فشلت فرنسا ومصر والسعودية والإمارات في تحقيقه، وهو ما تتفهمه الولايات المتحدة التي لم تكن رافضة تماما لما يقوم به من مغامرات وجهود للوصول للسلطة، وتدرك واشنطن أن إخضاع حفتر يكون من خلال محاصرة روسيا في ليبيا، وستقرر لاحقا مصيره بعد إفشال مخطط الكرملين.