إعلان وقف إطلاق النار الذي صدر عن رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج ورئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح لاقى ترحيباً واسعاً وغير مسبوق من المجتمع الدولي، كما كان التعاطي الداخلي معه واقعياً ومتفهّماً لحتمية الحل السياسي بعد سقوط وهم الحسم العسكري من حسابات الدول الداعمة له، وإدراك أغلب أطراف الصراع الليبي لخطورة التمادي في العمليات العسكرية.
البيانان اللذان أُعلن من خلالهما وقف إطلاق النار كانت لغتهما متقاربة واتفقتا على خطوط عريضة واضحة، وكأنهما أُخذتا من مسوّدة واحدة، وعدّل كل جانبٍ فيها ما يعنيه ويهمّه، فالاتفاق واضح حول ضرورة إيجاد حل بخصوص تقسيم عوائد النفط وضرورة استئنافه تحت إدارة وإشراف المؤسسة الوطنية للنفط، وكذلك جعل منطقتي سرت والجفرة منزوعتي السلاح وإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة منها، إضافةً إلى تفعيل المسار السياسي وفق مخرجات برلين، بينما كان هناك تباين حول إعلان القاهرة الذي اعتبرَه عقيلة صالح مرجعاً للحل السياسي، بينما تجاهله السراج كما تجاهل التأكيد على رفضه القبول بحفتر كجزء من الحل السياسي على عكس ما التزم به في كل بيان صدر منه بعد 4 أبريل 2019.
الترحيب الدولي الواسع بإعلان وقف إطلاق النار لم يتجاوز اللغة الدبلوماسية، ولم يتضمن الحديث عن إجراءات فاعلة للدفع بالعملية السياسية، وهو ما يؤكد أن هذا الإعلان يمثّل لكثير من الدول فرصة للتمكن من زمام قيادة هذا الملف دولياً أو إقليمياً مرة أخرى، دون أن تكون هناك جديّة لتجاوز العراقيل الصعبة لتحقيق ما تضمنه إعلان وقف إطلاق النار خاصة فيما يتعلق بإخلاء منطقتي سرت والجفرة من السلاح وعودة إنتاج وتدفق النفط.
أيضاً الترحيب الدولي يعكس رغبة بعض الدول في تلفيق حلّ سياسي غير ناضج، ومحاولة لتضميد الجُرح الليبي على عِلّاته دون أن يكون هناك تعقيم له من جراثيم الاستبداد والفساد، وهو ما يُنذر بتكرار تحربة الصخيرات التي أفشلها من كان جزءاً في صناعتها، ويبرز هذا التوجّه في تجاهل مشروع الدستور بشكل متعمّد، ومعالجة المسار الاقتصادي بنوع من التكتم وعدم الوضوح.
كما أن حديث رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج عن إجراء انتخابات عامة في مارس المقبل هو هروب بالأزمة إلى الأمام، وهو يُدرِك جيداً أنّ إشكالات هذه الأزمة أعمق من إجراء انتخابات، وأن وجود فترة انتقالية بإطار واضح وضمانات حقيقية لإنجاحها أمر لا مفرّ منه، ويُدرِك أنه إذا ما تمّ التوافق على المرحلة الانتقالية فإنّها إما ستقذف به خارج المشهد أو تنزِع عنه حصانة الأمر الواقع التي يتمتّع بها في غياب سلطة تشريعية قادرة على محاسبته، هذه الحصانة التي جعلت وباء الفساد نتشر في مختلف مؤسسات الدولة ويفاقم معاناة المواطن.
إن إعلان وقف إطلاق النار المتوقّف فعلاً، يمكن اعتبارُه إعلان حسن نوايا واستعداد للعودة إلى المسار السياسي، ولكن مع غياب الضمانات الحقيقية لإنجاح عملية التسوية، وفشل الدول المعنية بليبيا في التوصل إلى صيغة توافق حول مصالحها فيها، يجعل من المساعي المنفردة أو الثنائية لهذه الدول مجرد مناورات لإحداث خرق في حالة الانسداد لا أكثر، وهذا ما يدفع حفتر اليائس إلى محاولة العودة والبحث عن موطئ قدم في المشهد القادم، والحديث الأخير للناطق باسمه يصُب في هذا الاتجاه.